في العام 1984، لم يأت وحيد حامد بفيلم "البريء" الذي أخرجه عاطف الطيب وجسد الشخصية الرئيسية فيه أحمد زكي، من فراغ. ولم يكن مبالغا في تجسيد أزمة المجند "الملعوب في دماغه" بحسب ما يقول أولاد البلد. برغم مرور نحو 30 عاما على إنتاج ذلك الفيلم الذي حفت الرقابة مشهده الأخير، لم تتغير سياسية التعامل مع مجند الأمن المركزي، الذي لا يمثل للدولة سوى عصى غليظة تضرب بها المعارض.. أي معارض. ومن بين صفوف مجندي الأمن المركزي المنتشرين في شوارعنا وميادين مختلف المحافظات، لحماية أو فض أي مظاهرة أو اعتصام، اختارت "الوطن" المجند حامد، ذلك الصعيدي الذي لم يكمل عامه ال 24 بعد. جاء من المنيا ليعايش ثورة يناير، ويجد نفسه مضطرا للتعامل مع متظاهرين وثوار، خلال فترات حكم مبارك والمجلس العسكري ومرسي، وبين الحكام الثلاثة، مشاهد وحكايات يرويها حامد ل"الوطن" ولسان حاله يقول: "سبحان مغير الأحوال". يقول حامد: "دخلت الجيش في يناير 2011 وعلشان أنا غير متعلم دخلت قطاع الأمن المركزي ولمدة 3 سنوات، ووقتها كانت الثورات في قمتها علشان كده خدنا فترة تدريب لمدة أسبوع واحد بس، علمونا فيه استخدام السلاح الناري، وبعدها نزلنا الشارع للدفاع عن البلد مع أبويا وهو الباشا الذي ننفذ أوامره" يقولها حامد على طريقته، موضحا أن "الباشا" ليس والده فعلا "بمجرد دخولنا الأمن المركزي تصبح كل مجموعة من المجندين مع ضابط طول فترة الخدمة ويقولوا لنا ده أبوك وحتى لما حد يسألنا من الضباط يقول مين أبوك أرد عليه وأقول أبويا فلان باشا، وده معناه أننا ننفذ الأوامر دون تفكير، عشان أبويا عارف مصلحتي أكتر مني وكمان مفيش حد يكسر كلام أبوه" على حد تعبيره. ويتابع محمود "لسوء حظي بقيت عارف كل شبر في ميدان التحرير أكتر من بيتنا اللي في الصعيد، وحتى أصحاب المحلات كلهم عرفوني، وبيدوني حاجة ساقعة من غير فلوس، ويقولوا علشان أنت صعيدي بس، ولو مش صعيدي نديك سم" على حد قوله. "قبل بدء مظاهرات يناير عرفونا إننا نازلين نحارب بلطجية وجواسيس وعملاء وناس بتاخد فلوس من إسرائيل عشان يخربوا البلد، وكانت في تعليمات بالضرب وسلمونا أسلحة، ويوم 28 يناير لقيت أبويا رمى السلاح وهرب، فهربنا احنا كمان، ورجعت أنا الصعيد، وبعد فترة رجعنا الجيش تاني لما المجلس العسكري مسك البلد". ويتابع حامد: لما رجعت لقيت في مشايخ عندنا في المعسكر، وقالوا لنا إن مصر اتهزمت قبل كده وبعدين انتصرت، ولازم نبقي رجالة ونكمل، ولما كنا ننزل المظاهرات أيام المجلس العسكري كانت التعليمات بتقول لنا إن دول بلطجية وعملاء بس بلاش نضرب الأول، ورفضوا تسليمنا سلاح، وكان معانا عصاية وصدادة وخوذة فقط، وكان الباشا يقولنا عشان تصدقوا إن كلامنا صح شوفوا السندويتشات اللي بيكلوها، والسندويتش الواحد ب 50 جنيه، وطول النهار والليل قاعدين في الميدان يبقى بيجيبوا الفلوس من فين؟، طبعا من إسرائيل" حسب قوله. ولما سأل حامد "هي الحكومة مش عارفة كده؟" كانت الإجابة تأتيه: عارفة طبعا والدليل اننا قتلناهم في المظاهرات ومفيش حد مننا اتسجن، يبقي الحكومة عارفة ولا مش عارفة؟" حسب قوله. و"ما أقول طيب وربنا ياباشا؟ يقولي لو قتلت جندي من إسرائيل حرام ولا حلال؟ قولت حلال ياباشا، قالي أهم المتظاهرين دول تبع إسرائيل". بعد نجاح الرئيس مرسي وعودة المظاهرات للشوارع والميادين، كانوا يقولون ل"حامد" وزملاءه: "دول ناس شرفاء ومتعلمين ولازم نحترمهم وبلاش نضربهم، وفي الأيام الأخيرة قالوا دول بلطجية وعايزين يحرقوا البلد واضربوهم لو بدأوا في ضربكم، ولقيت الباشا بيضرب من تاني وفكرني بأيام ثورة يناير، ومن وقتها وأنا خايف يحصل معانا اللى حصل يوم 28 يناير، يومها قلعت اللبس الميري ولبست فانلة سودا مرمية على الأرض، علشان محدش يعرف إنى أمن مركزي". وأخيرا يقول حامد: "كل أجازة أمي تقولي تعالى أجيب لك عروسة وتتجوز بقى، وأنا رافض عشان مش عارف إذا كانت فترة الجيش هتعدي على خير ولا مش هتعدي، لأننا في وش المظاهرات دايما، أما الباشا فهو بيبقي موجود في مكان مستحيل حد يوصلوا من الثوار" حسب قوله.