لدىّ الشجاعة أن أعتذر مسبقاً للجميع عن «نقل» واستخدام مثل هذه الألفاظ «السوقية» الواردة فى عنوان المقال فى هذه الجريدة المحترمة التى تخاطب قارئاً محترماً، هذه الألفاظ جاءت -غير مجتزأة- على لسان وزراء حاليين فى وزارة المهندس شريف إسماعيل، فهل يمتلك هؤلاء الوزراء شجاعة الاعتذار عما اقترفته ألسنتهم؟ فى ظنى، وبعض الظن ليس إثماً، أنهم لن يعتذروا لسببين، السبب الأول أنهم يعتبرون أن استخدام هذه المفردات شىء عادى ولا غرابة فيه، فالمجتمع -من وجهة نظرهم- يستخدم فى مجمله أو غالبيته مثل هذه التعبيرات، ولأن الوزراء جزء من ضمير المجتمع، فمن حقهم استخدام كل التعبيرات والإفيهات التى يستخدمها المجتمع، أما السبب الثانى فهو أن الوزراء أبداً لا يعتذرون، فثقافة الاعتذار غير سائدة فى هذه الأوساط بيد أن ثقافة التعالى والطاووسية هى التى تقف مانعاً أمام فكرة الاعتذار، لكن هؤلاء لم يتعلموا من رأس الدولة أن الاعتذار من شِيم الكبار والأقوياء والعقلاء، لن أكون سطحياً وأسير فى طريق الضحالة وصولاً إلى محطة «الهيافة»، ولكننى أنظر إلى تداعيات ثقافية ومجتمعية على أبنائنا من جراء مثل هذه المفردات «السوقية» التى يتم تداولها فى أعلى الأوساط السياسية وتتناقلها كافة وسائل الإعلام من زاوية «سقطة كوميدية لمعالى الوزير» بيد أن هؤلاء الوزراء يفتقدون إلى الحس السياسى، فلكل مقام مقال، فكيف يكون رد وزير مصرى على مواطن بعبارة: «إلسعه على قفاه»، وهل انتهى القاموس اللغوى بوزير آخر من كلمات مرادفة لكلمة «خرم»؟! القضية ليست قضية سقطات أثناء التصريحات والأحاديث، فهذا النوع من السقطات يحدث فى كل مكان وعلى كل المستويات، لكن الفكرة أعمق وأخطر من ذلك بكثير، فالمرء مخبوء تحت لسانه، واللسان أداة التعبير والتواصل الأقوى، وكما يقولون: «تكلم حتى أراك»، هل يكون من المقبول أن يسألنى مواطن عن أى سؤال ويكون إجابتى له «إلسعه على قفاه»، أين أدب الحديث؟ أين الحس السياسى؟ أين القانون والدستور»؟، أليس هذا تحريضاً على العنف وسيادة مبادئ الغابة وإشاعة لروح البلطجة والفتونة من جديد؟ وهذا الآخر الذى يتحدث عن «نظرية الخرم السياحى» أثناء مناقشة مشاكل السياحة، وبالطبع هذا يقودنا إلى نظريات عدة منها «نظرية الخرم الأمنى»، و«نظرية الخرم الإعلامى»، و«نظرية الخرم الاقتصادى»، و«نظرية الخرم التعليمى»، وصولاً إلى أكبر الخروم -جمع خرم- وهو «الخرم السينمائى» بالإضافة إلى نظريات الخروم -مرة ثانية جمع خرم- الأخرى المنتشرة بطول البلاد وعرضها ومن الممكن أن نكتشف أن الدولة نفسها تحولت إلى «خرم كبير»، وهنا تكمن الأزمة الحقيقية، فانتشار الخروم، مرة ثالثة جمع خرم، يؤدى إلى شيوع ظاهرة «إلسع قفايا وإنت ورايا وسلملى عالمترو يا إكسلانس»، ولكِ الله يا مصر.