وكأن شيئا لم يكن .. وكأن الحكومة لم تسمع .. وكأن الوزير لم يحترم هيبة ووقار مجلس الشعب.. وكأن الوزير لم يقل ما قاله من ألفاظ تستحق وتستجوب الاعتذار..وربما الإقالة أيضا.. فالوزير الذي يتفنن في إدخال العكننة إلي حياتنا بما يفرضه علينا من ضرائب كان يتحدث أمام لجنة الخطة والموازنة في مجلس الشعب قبل عدة أيام وقال " لو بيدي الأمر في أزمة عزبة الهجانة لعوضت الذين اشتروا الشقق, وأجري وراء المالك المخالف وأطلع دين اللي خلفوه..! ومادام الوزير الدكتور بطرس غالي على استعداد إنه يطلع دين الناس, فإننا لا نستبعد بعد ذلك أن يكون هناك وزير أخر على استعداد " لتطليع روحنا " وروح اللي جابونا , مادامت هذه هي الألفاظ المستخدمة , وهذه هي النوايا المبيتة لنا, وهذا هو الأسلوب والطريقة التي يتحدثون بها عنا..! والكارثة أن الوزير بطرس بدلا من أن يسارع بتوضيح موقفه ويؤكد أن ما قاله مثلا هو زلة لسان أو أن هذا تعبيرًا دارجًا يستخدم كدليل على الشدة في التعامل, وقد كان ممكنًا قبول هذا التفسير أو محاولة تقبله, إلا أنه لم يعلق ولم يشرح ولم يفسر ولم يعتذر رغم مرور عدة أيام على ما قاله, وهو ما يوحي ويؤكد ويجزم بأنه لا يهتم ولا يكترث بغضب الرأي العام ولا يراعي مشاعر أحد, وأنه في واد والعالم كله في واد أخر ..! إن الخطورة لا تكمن فقط في العبارة التي صدرت عن وزير المالية, ولكنها تتعلق بالصمت الرسمي عن هذه السقطة التي تسيئ إلي الحكومة قبل أن تسيئ إلي الناس, لأن عدم الاعتذار عنها يعني أن الحكومة لا تري فيما قاله الوزير شيئًا يستحق الاعتذار وأننا فعلا نستحق أن "يطلع ديننا" و"تطلع روحنا" أيضا ..! وما حدث يعني أننا نعيش عصرًا تدهورت فيه لغة الحوار, ولغة التخاطب, ولغة التفاهم إلى الحد الذي وصلت فيه لغة الشارع إلي قاعات البرلمان حيث لا ينتظر بعد ذلك إلا استخدام الهتافات والعبارات التي ترددها جماهير كرة القدم المتعصبة في المدرجات..! ولا يمكن التسامح مع عبارة وزير المالية والنظر إليها على أنها سقطة أو زلة لسان, فالرجل هو وزيرًا سياسيًا قبل أن يكون وزيرا المالية, وهو يتحدث في مرحلة حرجة يدور فيها نوع من الحراك السياسي النشط في شكل حوار حول المستقبل وحول شكل الحكم وانتقال السلطة, وهي مرحلة يبذل فيها النظام جهدًا كبيرًا لتلميع صورته وإبراز إنجازاته والتأكيد على أنه يهتم ويحترم حقوق المواطنين, وصدور مثل هذه العبارة من وزير مسئول يهدم كل الحملة الرسمية ويضر بالحزب الوطني, ويرسل برسالة محددة وواضحة وهي أن وزير المالية يحلق ويغرد وهو بعيدًا عن سياسات الحكومة وعن الحزب وأنه بضرائبه وبتصريحاته وبعباراته المستفزة يمثل أكبر فائدة للمعارضة ..! إن ما قاله الدكتور بطرس غالي يعكس حاجتة بعض الوزراء إلى نوع من التدريب السياسي, وحاجتهم أيضا إلى أن يتفهموا أنهم ليسوا أوصياء على الشعب, وأنهم أيضا يجب أن يتفهموا قيمة ومعني "الاعتذار" ..! [email protected]