مضى على تشكيل الحكومة الحالية خمسة أسابيع، وقد يكون فى التبكير بتقييم أدائها ميزة تعريفها بما يجب عليها عمله فى هذه الفترة الصعبة من المسيرة المصرية، ففضلاً عن المشكلات المتراكمة لسنوات طويلة من تردى الخدمات العامة وسوء حالة المرافق وانخفاض معدلات التنمية الاقتصادية وتفشى البطالة، وارتفاع أسعار السلع الضرورية لجماهير الشعب، يزداد حمل الحكومة بمشكلات ورثتها عن سابقاتها من حكومات ما بعد 30 يونيو 2013، وأهمها: الإرهاب والغلوُ الدينى والتطرُّف الفكرى لجماعات الإسلام السياسى. ولا ننسى أن نضيف إلى تلك الحزمة من المشكلات المشكلة المزمنة، وهى الفساد المالى والإدارى للجهاز الإدارى للدولة وما يترتب عليه من فساد مجتمعى!!! وهدف هذا التقييم المبكر، هو تذكير الحكومة بأنها تسير على منهج حكومات سبقتها، وكان نتيجته الفشل العام. فالحكومة الحالية «الجديدة» بلا برنامج مُعلن حتى الآن، وتسير فى أدائها بلا خطة تُحدد أولوياتها، ويمكن متابعتها وقياس النواتج المتحققة عنها. ويبدو أن سيل المشكلات المستجدة والمتوقعة قد أسهم فى تكريس ذلك المنهج المتجاهل للتخطيط العلمى واتخاذ القرارات، بناءً على دراسات ومعلومات فى ضوء سياسات واضحة ومعلنة وقابلة للنقاش والحوار، كل ذلك على أساس رؤية كلية وسياسات شاملة لأبعاد الوطن وغاياته. وقد تفاقمت فى الأيام الماضية أزمة الدولار واختفائه، مما اضطر البنك المركزى إلى رفع سعره بالنسبة إلى الجنيه المصرى مرتين خلال الأسبوع الماضى، حيث وصل سعره إلى 8٫03 جنيه، وبالقطع سوف يزيد هذا السعر خارج البنوك المعتمدة، بما لذلك من تأثيرات تضخُّمية للأسعار فى الأسواق المحلية. ويزيد تلك الأزمة تراخى الحركة السياحية إلى مصر، وتهاوى الصادرات المصرية، مع توحُّش الاستيراد، لدرجة أن مصر تحوّلت إلى غابة للاستيراد العشوائى والمستفز لقطاعات الناس الذين يبحثون عن مأوى أو فضلات الطعام فى أكوام القمامة التى لا يخلو منها شارع فى مصر المحروسة. ونعود إلى منهج الحكومة «الجديدة» فى التعامل مع تلك الأزمات، فلا نجد مؤشرات على سياسات واضحة وقرارات حاسمة. وسوف نحتكم إلى الدستور، لعله يخرج الحكومة من عثرتها. إن المادة رقم 163 تنص على أن الحكومة هى الهيئة التنفيذية والإدارية العليا للدولة، وتتكون من رئيس مجلس الوزراء، ونوابه، والوزراء، ونوابهم. ويتولى رئيس مجلس الوزراء رئاسة الحكومة، ويشرف على أعمالها، ويوجهها فى أداء اختصاصاتها. فالحكومة إذن بحكم الدستور صاحبة اليد العليا والمتصرفة فى أمور الوطن، عدا ما يخص رئيس الجمهورية من صلاحيات حدّدها الدستور كذلك. ولكن رغم أن الدستور يعطى أهمية كبيرة لمنصب رئيس مجلس الوزراء، ويجعله إلى حد كبير شريكاً لرئيس الجمهورية فى مسئولياته كرئيس للسلطة التنفيذية، ومن جانب آخر، يعطى الدستور لمجلس الوزراء، بمعنى آخر الحكومة، سلطات واسعة، فإن الممارسة العملية للعلاقة بين رئيس الجمهورية من ناحية، وبين الحكومة من ناحية أخرى، ما زالت تسير وفق المنطق الرئاسى الذى ساد فى عصر دستور 1971، حيث تعمل الحكومة «رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم» فى حال وجودهم، وفق توجيهات الرئيس فى كل صغيرة وكبيرة!!!! وإلا لو كان الأمر مختلفاً عن هذه الحقيقة، فهل ناقش رئيس مجلس الوزراء وأعضاء الحكومة المعنيون مشروعات يتحمّس لها الرئيس، وتثير جدلاً واسعاً حول جدواها الفنية والاقتصادية والمجتمعية ومصادر تمويلها وأساليب إدارتها؟ وهل لنا أن نتوقع رفض الحكومة أو تحفّظها على بعض تلك المشروعات! كما أن التزام الحكومة بالعمل وفق ما نص عليه الدستور، يتأكد من المادة 146 التى تنص على أن يُكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء، بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه على مجلس النواب، فالالتزام هنا محله عرض تشكيل الحكومة وبرنامج الحكومة، وليس مجرد عرض البرنامج على مجلس النواب، لكى يقرر المجلس منحها الثقة أو حجبها عنها. وحتى لو قبلنا التفسير الذى صدر عن الرئيس بأن الحكومة التى شكلها المهندس شريف إسماعيل مستمرة بعد انتخاب مجلس النواب، وليس هناك إلزام دستورى بتقديم استقالتها، كما صرّح بهذا المهندس شريف إسماعيل ذاته، فى الأيام الأولى لانشغاله باختيار أعضاء الحكومة، فإن الواجب على الحكومة التى لم تعد بعد حكومة تسيير أعمال أن تنهض لإعداد برنامج يُلبى طموحات المواطنين ويتوافق مع تطلعاتهم، ثم يطرح على الحوار المجتمعى الحقيقى، لقياس مدى قبول الموطنين له، قبل التقدم به إلى مجلس النواب. فإن حازت الحكومة على الثقة أصبحت فى حكم المنتخبة، ويكون تقييم الناس لها أشد وأقسى. وانصياعاً منا إلى حكم الدستور، تواجهنا المادة 150 التى تنص، وفى الحقيقة تلزم رئيس الجمهورية، بأن يضع بالاشتراك مع مجلس الوزراء، السياسة العامة للدولة، ويشرفان على تنفيذها. فهل اشترك مجلس الوزراء «الجديد» مع السيد الرئيس فى وضع السياسة العامة للدولة؟ ويبدو هذا التساؤل منطقياً ومهماً إذا أخذنا فى اعتبارنا المادة 168 من الدستور التى نصت على أن يتولى الوزير وضع سياسة وزارته، بالتنسيق مع الجهات المعنية، ومتابعة تنفيذها، والتوجيه والرقابة، وذلك فى إطار السياسة العامة للدولة. فهل جميع الوزراء فى الحكومة الجديدة التى تستعد بعد أسابيع قليلة لعرض برنامجها وبرامج أعضائها، مستعدون للدفاع كلٌّ عن سياسات وزارته التى من المفترض أن يكون قد تولى وضع سياستها فى إطار السياسة العامة للدولة؟ وأخيراً نتوجه بتحذير واجب تقتضيه الأمانة الوطنية، ذلك أنه مع استكمال الاستحقاق الثالث من خارطة المستقبل، ومع الزخم المتوقع من الأحزاب والتيارات السياسية، يبدو أن الحكومة لم تستعد كسابقاتها التى لم تتعامل مع مجلس نواب يراقب أداءها، ويحق له سحب ثقته منها، لتخطيط وإدارة عملية التحول الديمقراطى وإعداد الوطن لإعادة بناء مؤسساته فى إطار دستورى وما يلحق به من تشريعات تنظم مباشرة الحقوق السياسية والانتخابات التشريعية والمحلية والرئاسية، والتشريعات المنظمة لتأسيس الأحزاب السياسية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدنى. وهمسة أخيرة فى أذن رئيس مجلس الوزراء، لا تشغلنك الزيارات والجولات الميدانية عن الأمور المشار إليها فى هذا المقال، فإن المحافظين أولى بتلك المهمة!