لست أدرى ما هى حكاية الأهلة فى الوزارة الجديدة، فقد حدثتك بالأمس عن «هلال» الذى لا راح ولا جه، فى سياق تحليل الحدث الأهم الذى دفع إلى المجىء بحكومة «إسماعيل» والمتمثل فى القبض على وزير الزراعة السابق «صلاح هلال» بتهمة الرشوة، وكيف أن التغيير الذى أعقب هذه الواقعة لم يأتِ بجديد، لا على مستوى الشكل ولا المضمون. أجدنى اليوم مضطراً إلى التوقف أمام «هلالى» جديد ظهر هلاله فى سماء الحكومة الجديدة، هو الدكتور «الهلالى الشربينى الهلالى» وزير التعليم، وموضوع الوقفة هو «الدروس الخصوصية». فقد فاجأنا الوزير فى حوار أجرته معه جريدة «الوطن» بعدم ممانعته فى أن يقوم المدرس بالارتزاق من الدروس الخصوصية، بشرط أن يكون ذلك عقب اليوم الدراسى. ولعلك تذكر ما سبق وكتبته تحت عنوان «وباء الدروس الخصوصية» فى سياق تناولى للاستراتيجية التى كان وزير التعليم السابق «محب الرافعى» قد تبناها لمحاربة هذا المرض العضال الذى ابتلى به التعليم فى مصر. كان من الممكن أن أتفهم أن يقول الوزير «الهلالى» إن مواجهة هذه الظاهرة ليست بالأمر السهل أو الهين، بسبب تعقيدها وتشابك العديد من العوامل التعليمية والاجتماعية والثقافية فى دعمها وتغذيتها، الأمر الذى يعوق قدرة وزارة بمفردها على النهوض بمواجهتها، كنت سأكون سعيداً إذا خرج الوزير وطالب بأن تكون مقاومة الدروس الخصوصية جزءاً من مشروع قومى كبير يتبناه المصريون لإصلاح حال التعليم، تشارك فيه كل مؤسسات الدولة والمجتمع، لكن «الهلالى» رأى أن الأمر الأهم، ونحن بصدد الحديث عن الدروس الخصوصية، يتمثل فى منع المدرسين من القيام بها خلال الفترة الصباحية، بعدما لاحظ أن بعض المدارس تكون فارغة من الطلاب والمدرسين فى نهار اليوم الدراسى، لأن الكل يذهب إلى مراكز الدروس الخصوصية، دون أن يحاسبهم أحد. والمتوقع -فى ضوء هذا الكلام- أن يقوم الوزير بزيارات صباحية للمدارس، ليفاجئ المدرسين والطلاب قائلاً: «أنا الشربينى الهلالى»!. لو أننا رجعنا بالذاكرة، وتذكرنا الماضى القريب، واسترجعنا تصريحات الوزير السابق «الرافعى» حول موضوع الدروس الخصوصية، وتقديم الرجل لرؤية تعتمد على مجموعة من الأدوات لمواجهة وباء الدروس الخصوصية، كما تناولتها فى حينها، فسنجد أننا كنا بصدد «سعى» أو محاولة، كان من الموضوعى أن نشجع الوزير عليها، أما الآن فأجد أن أول تصريحات «الهلالى» عن الدروس الخصوصية تؤشر إلى رؤية تجنح إلى «التسليم» بوجود الوباء، وتهدف فقط إلى جعله وباء مسائياً. وحقيقة الأمر فإن هذا التحول فى الرؤية من فكرة «السعى» إلى فكرة «التسليم» يؤشر إلى رؤية أكبر أخشى أن تكون قد حكمت تشكيل الحكومة الحالية، وما يقلقنى أن تؤدى هذه الرؤية إلى تعقيد مشكلاتنا التى لا تحتاج إلى مزيد من التعقيد. وجوهر الفساد فى هذه الرؤية يرتبط بإهمال السياق فى تحديد الرؤى والقواعد التى تحكم الاختيار، فكيف يستقيم مع بلد قام بثورتين أن يكون «التسليم» بالمشكلات هو أساس تفكير المسئولين فيه، كيف يستقيم مسئول تسليمى مع مواطن ثائر؟.. أكيد فيه حاجة غلط!