نحن فى حاجة دائمة لأن نُذكر المصريين أننا نملك من الإرادة والتصميم ما تدل عليه أفعالنا التى تستهين بغير تلك الإرادة. ما يدعونا جميعاً إلى إحساس الزهو والفخار والشعور بالقوة هو أننا كمصريين قادرون. نحن شعب قادر على أن يجز رقاب من يعاديه مهما امتلكوا من أسباب القوة والعدوان والاغتصاب، ومهما كانوا هم قوة عظمى ونحن لا نملك مثل تلك القوة، ولكننا نملك إرادةً وتصميماً وأفكاراً وعقولاً وحيلاً تقاوم العدوان وتدحره. منذ أيام وورى الثرى ببورسعيد بطل من شعبنا فى الثامنة والثمانين من عمره، كان قد أكد هذه القيم وتلك الشجاعة كأسباب للفخار والقيمة بين الأمم، كان الإعلام الأجنبى يأتى دائماً فى مناسبة العدوان الثلاثى على مصر 1956 ليلتقيه وزملاءه الفدائيين ويستعيد سيرة المقاومة الشعبية التى أنهت عملياً الإمبراطورية البريطانية وأكدت هيمنة أمريكا على العالم. المقاومة الشعبية هى من فعل ذلك. البطل على حسن زنجير سائق سيارة المجموعة التى اختطفت الضابط الإنجليزى مورهاوس ابن عمة ملكة بريطانيا فى 11 ديسمبر 1956 قبل رحيل آخر جنود العدوان فى 26 من الشهر نفسه، وهى مناسبة ما زال أهلنا فى بورسعيد يحتفلون بها ويتغنون بسيرتهم وبمقاومتهم فى الشوارع وبالانتصار العظيم الذى حققوه لمصر. وفى الوقت الذى نطالب فيه ببث روح الأمل والشجاعة لم يُمثل أحد الحكومة المصرية أو المحافظة فى جنازة البطل زنجير، مما دعا المعزين لأن يذكروا أن المحافظ كان يكرم راقصة وممثلة تسمى شيماء منذ أيام بينما لم يأت أو يرسل مندوباً لوداع البطل الشعبى. زنجير وصحبه يمثلون بوضوح إرادة المصريين على تجاوز القوة المسلحة الغاشمة، ففى الوقت الذى لم يكن يملك فيه المصريون سلاحاً يقارن بسلاح الدول المعتدية إسرائيل وفرنسا وإنجلترا فإنهم لم يسلموا وانتصروا وطردوهم. كانت الحرب رداً مباشراً على تصميم المصريين على تأميم قناة السويس نهاية يوليو من نفس العام، مما دعا إنجلترا وفرنسا لتجميد الأرصدة المصرية فى بنوكهما، وقررا الحرب بالاتفاق مع إسرائيل عن طريق تحرش إسرائيلى وبدء هجوم فى سيناء ضد المصريين، مما يعطى إنجلترا وفرنسا مبرراً للتدخل لحماية قناة السويس بإنذار كل من مصر وإسرائيل ثم التدخل فعلياً بقواتهما! لم يكن هذا العدوان الجماعى ضد المصريين يعنى غير بلورة المزيد من إصرارهم على الاستقلال والانعتاق من أسر الاستعمار، فبدأت المواجهات لهذه القوات المعتدية التى تم إنزالها فى بورسعيد، وتكونت سريعاً مجموعات فدائية كان منها تلك المجموعة التى تضم على زنجير، وهم أحمد هلال ومحمد حمد الله وحسين عثمان وطاهر مسعد ومحمد سليمان، وبينما كانت هذه المجموعة تتحرك لتنفيذ عملية فدائية مخطط لها، فإن مشاهدتها للضابط الإنجليزى وملاءمة الأوضاع لتنفيذ عملية ناجحة ومؤثرة يبادلون بها الأسرى أغراها (عالماشى) بخطفه وكان الضابط الإنجليزى يطارد طفلاً يركب دراجة ويسبه، فلما وقع الطفل من دراجته حاول الضابط الإمساك به، فتقدم إليه من المجموعة الفدائية من أقنعه أنهم من الشرطة المصرية وسيأتون له بالطفل، وبينما هم الإنجليزى بركوب سيارته قام أحدهم بخطف سلاحه، وقام آخر بلى ذراعه وقام الثالث بوضع إصبعه فى ظهره وكأنه مسدس (ليس معهم سلاح) وحينها اقترب زنجير بالسيارة ووضعوه فيها وعندما حاول الضابط ضرب زنجير لكمه بقوة لكمة أنزلته لأرض السيارة وفروا به هاربين، قيدوه وذهبوا به إلى مكان كانوا يحاكمون فيه المصريين الذين يتعاونون مع الاحتلال، بينما ذهب زنجير لإخفاء السيارة 57 قنال التى تمت بها العملية، ثار الإنجليز عندما علموا بالعملية وبدأوا تمشيط المنطقة المشتبه بها وحاصروها أياماً وفتشوها بيتاً بيتاً فلم يجدوه رغم أنه كان فيها.