أسرار بيوت تعرض من دون أسماء على صفحات "الفيس بوك" لتلفت انتباه الكثير ممن يحاولون إما إبداء الرأي أو اقتراح حلول، متيحة لصاحب المشكلة المجهول فرصة "الفضفضة"، وتلقي كم هائل من التعليقات والردود من أشخاص من مختلف الأعمار والثقافات. فكرة قد تكون إيجابية في وجهة نظر البعض، ولكن هل تلك الصفحات الإلكترونية قادرة على حل أكثر المشكلات الزوجية تعقيداً؟ وهل بإمكانها تحليل الموقف الذي يواجهه صاحب المشكلة؟ الخوف من مصارحة العائلة كان سببًا في توجه نور رشيد، التي تبلغ من العمر ال33 عاما، الى إحدى صفحات "فيس بوك" لطرح مشكلتها مع زوجها طامحة لايجاد حل من أصحاب الخبرة. و لكونها تعيش في بلد آخر، تجد صعوبة في مصارحة عائلتها بما تعانيه من قسوة زوجها، فلن تستفيد سوى زيادة قلقهم عليها. ورغم أملها في الحصول على نصيحة جيدة، فقد نصحها الكثير من المعلقين بطلب الطلاق، بالإضافة إلى نشر بعض الأشخاص ردود تسخر من مشكلتها، لكنها وجدت ضمن الردود بعض الأشخاص الذين منحوها الأمل، مما جعلها غير نادمة على طرح مشكلتها عبر تلك الصفحة. وترى فاطمة محمد، البالغة من العمر 26 عامًا، أن صفحات الاستشارات الإلكترونية لها الكثير من المميزات، خصوصًا في المجالات التربوية والأسرية، حيث إنها طرحت ومنذ فترة قريبة مشكلتها مع طفلها على أحد أطباء الأطفال الذي يستخدم صفحته على "فيس بوك" لاستقبال الأسئلة والاستشارات، حيث كانت تعاني فاطمة مع طفلها مشكلة فقدان الشهية. وفي وقتها، نصحها الطبيب بإتباع بعض الأساليب لتحسين قابلية طفلها على الطعام. وبعدها بأسابيع، تواصلت مع الطبيب نفسه لتشكره على تلك الطريقة الحديثة الفعالة. ومن خلال هذه التجربة، تجد فاطمة أن تلك الصفحات هي صورة من التعاون وتبادل الخبرات من دون جهد أو تكلفه مادية. الرغبة في الحصول على رأي من طرف محايد، هو ما دفع شذى المصري، البالغة 22 عاما، لطلب المشورة من طريق إحدى صفحات الاستشارات الزوجية. فبعد تقدم عريس لها، وجدت إلحاحاً من عائلتها على الموافقة وعقد القران بشكل سريع كون العريس "لقطة" ولكن خوف شذى من التورط في خطوبة فاشلة أوقعها في حيرة من أمرها بين السير وراء رغبة أهلها أو التصرف وفق قناعاتها. وبعد طرح مشكلتها التي ذكرت فيها تفاصيل المشكلة، أشار عليها الأكثرية بضرورة التأني وعدم الاستسلام لإلحاح أهلها، كونها لا تزال في بداية عمرها وقد تحظى بشخص تكون مقتنعة به تماماً. وهذا ما حصل فعلاً، حيث اكتشفت لاحقاً أن تلك الخطوة كانت صحيحة ولم تندم عليها أبدا. كما تقول لمياء صابر، إحدى المتابعات الشغوفات لصفحة على الفيس بوك المتخصصة في عرض المشكلات الأسرية والزوجية، رغم أنها لا تعاني ممن أي مشكلة، لكنها تحب الاطلاع على مشاكل النساء، والتي تتناول غالباً قصص الزواج والطلاق والخيانة، حيث تجد لمياء نفسها أكثر وعياً تجاه تلك المشكلات، وكونت صورة واضحة عن طريقة الحكم على المواقف والتعامل مع الناس في الحياة الواقعية. فقراءة قصص الناس ليست مسلية فقط بل تمنحها الخبرة والاطلاع على ما يدور خلف الأبواب المغلقة. في المقابل، تجد فئة الشباب والمراهقين صعوبة في معرفة طريقة التعامل مع المواقف الصعبة، وأحياناً قد يسيطر الخجل والخوف عليهم فيمنعهم من التفكير في الذهاب الى مراكز الاستشارات النفسية. خالد الطيب، البالغ من العمر 20 عامًا، طلب منه أحد أصدقائه رأيه في مشكلة تخص ابن الجيران، بعدما اكتشف أنه يتعاطى المخدرات، حيث إن صديق خالد كان شديد الارتباط بهذا الشاب المدمن ويعرف أسرته جيداً، مما جعله دائم التفكير بتلك المشكلة، فقام خالد بعرض المشكلة وقتها على إحدى الصفحات للاستشارات النفسية والأسرية على الفيس بوك، وحصل على ردود وحلول كثيرة جعلته في حيرة أكبر، فمنهم من رجح تحذير الشاب المتعاطي، وبينهم من وجد أن إبلاغ أسرته هو الحل الأمثل، فيما اقترحت البقية التبليغ عنه. وكان لكل حل تداعيات سلبية قد تضر بصديق خالد، ما عزز لديه فكرة البقاء من دون حل ومقاطعة ابن الجيران فقط. فتح انتشار صفحات الاستشارات مجالات كثيرة، وأتاح الفرصة أمام الكثيرين لتقمص دور الاختصاصي النفسي أو المصلح الاجتماعي، وهذا ما حصل مع سارة عبدالعزيز التي كانت تعاني من مشكلة عائلية، لا تستطيع البوح بها لأحد، إلى أن عثرت على أحد الصفحات لعرض مشكلتها، ولتشكل متنفساً للحصول على حل. وهذا ما حدث فعلاً حين وصلتها رسالة من أحد المعلقين، تفيد بأنه اختصاصي في علاج المشكلات النفسية والأسرية، وهو يمتلك حل لمشكلتها، ولكنه يحتاج الى بعض التفاصيل عن طريق مكالمة هاتفية. وبعد محادثات مطولة معه، اكتشفت أنه مجرد شخص يتسلى ويود التعارف لا أكثر، مما جعلها لا تثق كثيراً بجدية وصدقية ما تعرضه تلك الصفحات. ويشير الدكتور سمير نعيم أحمد أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، الى أن مسألة انتشار هذه الصفحات الاستشارية وطرق التواصل عبر الهاتف لحل المشاكل والأزمات الأسرية، تعود الى التقاليد المحافظة للمجتمع المصري التي تفضل حل المشاكل من خلال الأقارب. والجدير ذكره أن تلك البادرة انطلقت من أميركا لحل مشكلة الانتحار، وامتدت من ثم إلى العالم بشكل موسع. وتعد طبيعة المرأة وتكوينها النفسي من أكثر ما يدفعها الى "الفضفضة". لذا وتبعًا لإحصائية خاصة بالمراكز الأسرية في مصر للراغبين بالاستشارات، أكدت النتائج أن 80% من المراجعين للاستشارات الأسرية هم سيدات، مما ساهم في انتشار فكرة تداول الاستشارات عن طريق الانترنت أو التواصل عبر الهاتف للبحث عن حلول.