الرؤية الحقيقية لما جرى فى هجوم الشيخ زويد الإرهابى بعد انقشاع غبار العمل الإرهابى والرد العسكرى القاصم، أن هناك تغيراً نوعياً حقيقياً قد دخل على خط استراتيجيات النشاط العملياتى على الأرض لتنظيم «أنصار بيت المقدس»، تماماً كما وصفناه يوم اعتماد تغير إعلامى نوعى للتنظيم نفسه وهو يغير اسمه إلى «ولاية سيناء» ويعلن مبايعته لتنظيم «داعش» الأم فى العراق وسوريا ويقدم نفسه كفرع له على الأراضى المصرية، التغير الذى أفصح عن نفسه فى عملية الشيخ زويد أن التنظيم غير نهج إنهاك واصطياد القوات العسكرية والأمنية عبر عمليات خاطفة ومتفرقة، إلى خطة جديدة تتمثل فى حشد جهد عملياتى ضخم لمحاولة السيطرة على قطعة أرض حقيقية ومعلومة يمكن الإعلان عنها ويتمترس داخلها ليجابه القوات العسكرية أو الأجهزة الأمنية، بالطبع لو كانت قطعة الأرض تلك تمثل مدينة أو قرية كبيرة فسيصبح النجاح ذا زخم أكبر وأعلى دوياً وهو المطلوب تماماً من هذا التحرك وهذا التغير. ما سبق ذكره تم متابعته على مدى الشهور الماضية وتنظيم «داعش» يقوم بتنفيذه على الأراضى العراقية وفى نجاحه بالاستيلاء على بعض من مدنها والعديد من قراها ومساحات أراضيها، وتكرر بآلياته نفسها على الأراضى السورية ونقل إلى فرع التنظيم الموجود بليبيا لاستخدامه فى معادلات ليبيا الصاخبة وبه تم الاستيلاء على مدينة «درنة» فى الوسط الليبى.. بأدبيات التنظيم وخططه العسكرية يسمون هذه الخطة خطة «الصدمة والرعب» ويستخدم فيها، بجانب العمل القتالى الذى يكون هناك حرص على إضفاء طابع التوحش المبالغ فيه عليه، بعض من الأدوات الأخرى، يتكفل العمل العسكرى للتنظيم بتحقيق مفهوم الصدمة ويسند لبعض الأداءات الأخرى إشاعة أكبر قدر من الرعب، والأخرى هذه تكون بارتكاب بعض المذابح بحق سكان هذه المناطق وكتائب العمل الإعلامى والإلكترونى لإشاعة تغطية ممنهجة تصب فى مربع الرعب نفسه. أجندة العمل الإرهابى تلك توصف اليوم فى أوساط الجماعات الإرهابية بالأحدث وتدرسها القوات العسكرية والأجهزة الأمنية بالجدية التى تستلزمها مواجهتها، خاصة أن ملحقات تنفيذها على الأرض تشمل أيضاً محاولة السيطرة على مواقع عسكرية وأمنية كبيرة أو منعزلة بما هو متاح فى مسرح عمليات كل هجوم، وهذا هدف ثمين نجح «داعش» الأم فى اقتناصه أكثر من مرة فى العراق وسوريا مما أوقع فى أيديهم العديد من المعدات العسكرية الثقيلة المتنوعة، فى بعض تلك المعسكرات استولى التنظيم على دبابات ومدرعات فضلاً عن تشكيلة متنوعة من القذائف الصاروخية والرشاشات المتنوعة، ولم تكن المواجهات الحاسمة التى انتهجها الجيش المصرى فى سيناء ضد التنظيم موقعاً به الخسائر الأكبر منذ تأسيسه إلا لإدراك قياداته العسكرية خطورة النقلة النوعية المشار إليها، فالواضح أن التنظيم الفرع فى سيناء قد تلقى من «داعش» الأم خطة مفصلة لتطوير عملياته وفق هذا المفهوم الجديد ودفعه دفعاً لتنفيذ ما قام به قبل مدينة الشيخ زويد ونقاطها العسكرية وقسم الشرطة فيها، ووصف العمل العسكرى بالناجح لأنه تعامل مع التهديد الجديد بما يستلزمه من القوة والحسم، ولم تتوقف العمليات إلا بعد عدة أيام محققة اختلالاً كبيراً فى بنية التنظيم بحيث لا تصبح لديه القدرة على تكرار المحاولة فى المنظور القريب على الأقل. هذا عن النمط الجديد المسجل بماركة «داعش»، لكن هناك لاعبين جدداً يحملون أيضاً فكراً ومنهجاً إرهابياً جديداً، من قام بعملية اغتيال المستشار الشهيد هشام بركات النائب العام وأتبعه استهداف المبنى الثقافى لسفارة إيطاليا لهما ملمح متقارب، ويمكن من حيث التصنيف والاستقراء ضم العملية الإرهابية التى كانت تستهدف معبد الكرنك وتم إجهاضها بمعرفة الأمن هذا الثلاثى يكاد يكون بنكهة واحدة وجديدة، هذا اللاعب الإرهابى الجديد له ملامح ارتباط بالمنافس ل«داعش» وهو تنظيم «القاعدة» خاصة وقد ظهرت له هو الآخر فروع بدأت تنشط هى الأخرى على الساحة حتى لا تتركها كاملة ل«داعش»، فهى قد ظهرت فى تونس فى عملية «مدينة سوسة» التى استهدفت النشاط السياحى التونسى عصب الاقتصاد هناك فى عملية فارقة وجريئة، وهذا ما ظهر هنا فى القاهرة من حيث مارس هذا التنظيم الجديد عملياته بجرأة بالغة ووفق استراتيجية أهداف تخص النمط القاعدى، اغتيال الشخصيات رفيعة المقام والتى تحظى باهتمام رسمى وإعلامى واسع مثل النائب العام ومحاولة استهداف النشاط السياحى فى الأقصر وبعدها التوجه إلى مبنى له طبيعة دبلوماسية.. هذه رسائل القاعدة المعتمدة وفق أدبيات عملها الإرهابى، خاصة مع استخدام السيارات المفخخة ذات التقنية العالية من حيث تجهيزها بالمتفجرات المتطورة ونسفها بتكنولوجيا التعامل عن بعد، أو النمط الثانى الذى يجهز ويدفع بعناصر محدودة لكنها عالية التدريب لارتكاب عمل جرىء فى مكان غير محسوب يحقق نتيجة ضخمة، وهذا حدث فى عملية «سوسة»بتونس التى ارتكبها شخص واحد، وكان يراد فى نسختها المصرية بالكرنك أن تقوم العناصر الثلاثة بارتكاب مذبحة كبيرة ضد الوفود السياحية الموجودة بالمتحف قبل إجهاض العملية من قبل الأمن المصرى. هذا اللاعب الجديد قد لا يقل خطورة عن فروع «داعش» فهو يفهم فى صناعة الرسائل الموجهة من خلال أهداف عملياته، عمليته الأحدث فى وسط مدينة القاهرة كمثال كان يريد قطع الطريق عن أى تنامٍ للعلاقات ما بين مصر والدول الخارجية خاصة الأوروبية منها، وقطع الشريان الاقتصادى المتوقع وفق هذا التنامى فيما بعد افتتاح قناة السويس وبدء الحديث عن مشروعات الاستثمار فى منطقتها، رسالة للدول الخارجية أن وجودكم على الأرض المصرية زائرين أو مستثمرين أو داعمين قد يكون محل استهداف فى الفترة المقبلة، ورسالة وسط القاهرة العاصمة أنه يضغط بها على أعصاب الجهاز الأمنى الذى يجابه أطرافاً عديدة بأنه قادر على الوصول إلى أى نقطة يريد لها التنظيم أن تحمل رسائله، معادلة المواجهة أمام الجهاز الأمنى بها قدر عال من الصعوبة والخطورة وتحتاج إلى قدر لا يستهان به من الظهير المعلوماتى فضلاً عن تطوير الأداء فى بقية أفرع العمل الأمنى، فكلا المسرحين سيناء الصحراوى وعواصم الداخل قد بدأ فيهما إرهاب جديد متطور يستلزم أن يكون الجهاز الأمنى قد سبق بخطوات هو الآخر بكل أسلحته، لأن هناك مشهداً جديداً.