لم تنته التفاعلات والصراعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التى أفرزت 25 يناير بعد إلى واقع مستقر يمكن الركون إليه والاستناد عليه فى التماس الوصول لمعرفة هل حدث تغير اجتماعى؟ نعتقد أن الصراع والحالة الثورية يعملان حتى فى ظل تعبئة كثير من الثوار بالسجون والإقصاء السياسى للسياسيين. حقيقة التغيير تكمن فى البناء الاجتماعى الداخلى أكثر مما هى فى الظواهر والادعاءات والأدوار الاجتماعية الممثلة.البحث الجاد لم يخض بعد فيما تغير فى عقول الأفراد وأفكارهم وعلاقاتهم ببعضهم وبالقوى المهيمنة (اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو دينية). هل هناك بحث مثلاً عن الشتائم والألفاظ المحدثة أو خلع الحجاب أو الإلحاد أو عن علاقات الأبناء والبنات بأسرهم بعد وقبل 25؟ بحث جاد لم يتعرض لنوايا الناس وطرق مقاومتهم أو احتيالهم أو استسلامهم أو مشروعات عملهم فى المستقبل. المصرى قبل 25 ليس هو نفسه بعدها وإن بدا كذلك. ظاهر الأمور أنه لم يتغير شىء وأنها عادت سيرتها الأولى واستقرت ولكن ليس غريباً أن تجد السراب ماء. إرادة الأفراد وطموحاتهم لأنفسهم ولمجتمعهم وعلاقاتهم وحكمهم تغيرت، ولهذا تشتد قبضة القوى صاحبة المصلحة السياسية والاقتصادية فى قمع هذه الإرادة لمنع هذا التغيير وتلك الإرادة. ولتعزيز هذا القمع هناك دعم ومكافآت لا تنقطع للجهات التى تساعد فى منع التغيير الاجتماعى بنسب ومرات أكثر، فضلاً عن الحماية من التجاوزات، ومن الطريف أن أول فئة زاد المجلس العسكرى رواتبها بعد الثورة هى الشرطة التى كانت أحد أسباب اندلاع الثورة! كمثال على حالة الصراع والتغيير الاجتماعى فقد أثار البعض مشكلة وجود شتائم وألفاظ بذيئة فى المسلسلات، بينما هذا قطرة مما يحدث فى الواقع بالفعل، وهو علامة واضحة على وجود صراع حقيقى وعدوان متبادل فى المجتمع نتيجة إحساس الظلم وعدم التحقق أو الرضا وفقدان السلام، إن هذا ليس بعيداً أبداً عن السلطات المهيمنة، لأنها المنوط بها تحقيق العدالة وتطبيق القانون الذى يمنع الأفراد من اللجوء للقوة المادية والبلطجة أو لاستعراض القوة باستخدام السباب والبذاءة والغلظة. فى برامج مفترض أنها كوميدية للترويح تنصب لأحد الفنانين فخاً فى طائرة أو مركب ثم تواجهه بموقف عصيب وتشهد الناس على رد فعله، غالباً يكون بذيئاً، مثل فعل البرنامج (الذى تحكم به ووضعه فى أزمة وتلاعب به)، وحاكماً وتسلطياً ومازوكياً، وليس غريباً أن تحقق مثل هذه البرامج نجاحات جماهيرية عربية مذهلة منذ سنوات لأنها تلبى لدى الجماهير التى تتمثل الموقف رغبة فى تفريغ العدوان متعدد المصادر والأسباب أو التشفى والانتقام ومشاهدة الآخرين يتألمون كما يألمون فى مواقف أزماتهم! كل هذا رغم أن الجميع يتباكى على الأخلاق والقيم والرفق ويكاد يثق أن المواقف مزيفة! لنقارن هذه البرامج بمثيلاتها فى الدول الأخرى والشعوب الأخرى بل لنقارن أسباب الضحك هذه بأسبابه فى بلادنا منذ سنوات بعيدة لندرك أن الغلظة والقسوة تأتى من واقع مماثل تظهره الدراما والبرامج ويبين تغيراً اجتماعياً فى بنية الثقافة والإحساس كما يدل على اتجاهات رياح المجتمع. الصراع ونتيجته العنف اللفظى للمواطن العادى والمواطنة العادية (صارت تستخدم الشتائم والألفاظ البذيئة) لا يزال على أشده ولم يهدأ، إشارة على غضب وعنف وتوتر، لا على استقرار أو محبة أو سلام. وفى فيديو لأحد الفنانين تأخر حل مشكلة مالية له بالبنك لغياب الموظف، يقذف سيلاً لا ينقطع من السباب البذىء يكشف حجم غضبه وحنقه، وفى الخلفية بعدما فتح الموظف الذى رد عليه الخط نسمع ضحكات الموظفين بالبنك واستمتاعهم بغيظه بدلاً من الإحساس بذلك الغيظ كسبب للتعاطف وتهدئته كمتضرر. الشتائم عَرَض والأجدى حل دوافعها كمرض!