عاصفة ترابية وزلزال فى آن واحد.. مُنى بهما المصريون فى نهار رمضان، أصوات تطالبنى بالدعاء، علّها ساعة استجابة، أرد طلبهم: «طب ادعولى».. هنا يأتينى السؤال: ترى هل هى إشارات يوم القيامة، أم أنها حقاً دلالة غضب من المولى عز وجل علينا كمصريين؟ سمعت السؤال كثيراً فى هذا اليوم، ولا أدرك مدى جدية سائليه، هل يبحثون عن حل وتفسير للظاهرة الكونية التى أحدثت الزلزال والعاصفة فى آن واحد، أم يبررون حدوثها بأنه غضب من المولى عز وجل حلّ بنا نحن الشعب العاصى الخارج عن تعاليم الدين، المجاهر بالإفطار فى نهار رمضان، التارك للعبادات، المنصرف للخيم والمسلسلات، والملهى عن نصرة الإسلام بحروب فيس بوك وتويتر، وصراعات زينة وأحمد عز؟ تفشى السرطان فى البلاد، واقتحم أطفالاً صغاراً، وقتل حلمهم وبراءتهم، لم يبحث أحدهم عن السبب، ولم يحاول أحد أيضاً البحث عن حل، اكتفى الجمع بالتبرير الفظيع «ربنا غضبان علينا».. هبط الإخوان على كرسى الحكم فى عام كامل فسدوا وأفسدوا فيه، لم يحمل أى ممن انتخبوهم هذا الوزر، تبرأوا منه بتبرير «ربنا غضبان علينا».. جاءهم السيسى قاضياً على استعمارهم، حاملاً تركة صعبة، نجح فى بعضها، ولم يحرز نجاحاً يُذكر فى الآخر، لم يساعده أحد ولم يفكر آخرون فى أسباب الإخفاق، فقط حملوا التبرير «ربنا غضبان علينا».. وهكذا، يسير العقل الجمعى فى اتجاه التبرير لا التفكير، فى أمور هى أقل من أن يولى المولى عز وجل اهتماماً بها، أو حتى يغضب من أو على خلقه بسببها، أمور لا تخرج عن سياق قوله تعالى «وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ»، لكننا لا نذكر ولا نستعيذ. أكلّم الله كثيراً، لا يقطع حوارنا اليومى سوى بعض تفاصيل الحياة، كالعمل تارة، وشئون البيت أخرى، وهموم متفرقة تعلق بالذهن ولا تغادره إلا وقد شلّته عن التفكير ووضعته فى حيرة لا تفارقه إلا بالعودة إلى حوار الله.. لم يساورنى شك فى حديثى الممتد مع ربى أن العلّة فينا، فقد وضع برحمته قواعد الحياة السهلة، وترك بمشيئته باباً مفتوحاً بين الخطأ والصواب، بين الحلال والحرام، من شاء أن يغادر هذا لهذا فهى حريته واختياره، وعليه سيحاسب، ولا دخل للقضاء والقدر فى هذا، فهما لا يغيران اختياراً، ولا يصححان مساراً اختاره عبد، وأبلغ به ربه. من هنا خلصت لحقيقة علّها خطأ وهى أن «المولى برىء مما تدعون، لا هو غاضب من أفعالكم، ولا مسرور بها». ودليلى على هذا اليقين أن المصريين قولهم مغاير لفعلهم، فمم يغضب الله، من قول الراقصة «أحب الله كثيراً وأخشاه»، أم من فعلها اليومى فى ملاهى الليل؟ أيغضب من الركوع والسجود الذى تضج به مساجد التراويح فى رمضان بنظام «نقرة وقومة»، أم يغضبه السلوك المنافى لكل ما نص عليه الإسلام، أيغضب من ظاهرنا الذى نُبديه، أم من باطننا الذى نخفيه.. وبعد كل هذا: أيغضب منا أم علينا؟ لم ير المصريون ذرّ رماد من غضب المولى، فالعاصفة الترابية التى اجتاحت البلاد لم تستغرق سوى ساعات، وزلزال الخامسة لم يستمر سوى ثوان معدودة، والخوف من غضب المولى لم يتجاوز الحلق بعد، إذ مارس الكل بعدها حياته الطبيعية بكل ما فيها من مغضبات للمولى، منغصات لعرشه، منشطات للشيطان، مغريات له على الاستمرار شريكاً أساسياً لنا. الخلاصة: حط ربنا فى قلبك.. يشملك برحمته.