ليس أقبح من أن تتحول لعبة إلى طريق للموت، وليس أقسى على الإنسان من رؤية الذين يموتون بلا ذنب، دموع الأمهات غالية، ونارهن لا يفلح الزمن في إخمادها، وأمس بكت ملايين العيون نتيجة توقف قلب لاعب كرة قدم شاب اسمه أحمد رفعت، كانت لديه أماني وأحلام، وأصدقاء ومحبين، لكنه فجأة ترك كل ذلك ورحل، تمامًا كما رحلت بطلة نادي طنطا الرياضي في السباحة شذى نجم، وهي التي حلمت أن تمثّل بلادها وتنجب أولادا يفخرن بوالدتهم، لم يتسن لها تحقيق الحلم، غادرت مبكرًا تاركة القوس مفتوح لمزيد من الضحايا ومزيد من الدموع. وكالعادة، لم تمثل لدينا تلك الأحداث سوى مناسبة للضجيج بلا طحن عن لجان تحقيق، وتطوير منظومة طبية للرياضيين والحفاظ عليهم كونهم ثروة مصر البشرية وقوتها الناعمة، وكالعادة أيضًا سيخفت الحديث شيئًا فشيئًا حتى يختفي، ولا يظهر إلا مع تكرار المأساة وتكرار الأقوال والدعوات دون خطوات فعلية تحول دون ذلك. المؤسف في كل ذلك، أنّ حتى الدعوات التي تُقال، والمطالب التي تُرفع، والرؤى التي تقدم، منعزلة عن العصر وآلياته، بل لن أبالغ حين أقول إنّها تتعامل بنظرية بداية الألفية الثانية، دون النظر إلى التطور الهائل الذي يحدث يوميًا في عالمنا، ودون النظر إلى طرق تعامل الأندية الكبرى والمنتخبات التي باتت تستغل كل جديد من أجل الحفاظ على ثروتها البشرية، ومثال على ذلك الذكاء الاصطناعي الذي صار جزء لا يتجزأ من صناعة الرياضة في العالم أجمع. نعم، ففي عصر الذكاء الاصطناعي ليس هناك مجال للمفاجآت، إذ باتت التطبيقات قادرة على وضع منظومة صحية قادرة على التنبؤ وتقديم الحد الأدني لحماية الرياضيين من أي عوارض قاتلة، أما كيف ذلك، فهذا ينقسم إلى عدة مراحل، لعل أولها تبدأ مع بداية الموسم الكروي للأندية، وفيها يتم أخذ قياسات لاعبين الفريق، ثم يتم تغذية أجهزة الذكاء الاصطناعي بتلك القياسات لتحللها وتخرج في النهاية ما يشبه «مانيفستو» لكل لاعب، وهو «مانيفستو» لا غنى عنه بالنسبة لأي مدرب أو مدير فني، وهو يضع خططه الفنية، وسيناريوهات المواجهات، فيختار الأنسب، فإذا كانت مواجهة تحتاج إلى قوة بدنية اختار اللاعب الذي يتوفّر فيه ذلك، وإذا كانت مواجهة تحتاج مجهود أقل ومهارة أعلى اختار ذلك، وبحسب نسب دقيقة جدًا، يمكنه إراحة لاعب غير مكتمل والدفع بالأكثر جاهزية، ويشمل هذا المانيفستو: - احتمالية تعرضه للإصابة من خلال تاريخ إصابات اللاعب وعمره - الحمل التدريبي المناسب له، من خلال معدلات القلب ونسب الأكسجين - البرنامج الغذائي الملائم لطبيعة جسده - مدى قدرته على الالتحامات القوية - انسيابية جسده داخل الملعب للمراوغة والتحركات هذه ليست أكثر من بداية، إذ يتم تغيير قياسات اللاعبين كل فترة دورية وتُعاد الكرّة من أجل الوصول إلى أفضل الطرق لخلق رياضي لا يعاني من أي مشكلات صحية أو إرهاق، وإذا كانت تلك هي المرحلة الأولى، فالمرحلة الثانية تشمل أجهزة استشعار عن بعد وأجهزة أخرى، مهمتها العمل على المراقبة الفسيولوجية الوظائف الحيوية في الجسد، مثل معدل ضربات القلب، ومستويات الأكسجين في الدم في الوقت الفعلي، ومن خلال ذلك يتم تحديد علامات التعب أو الإجهاد والإصابة، وبالتالي التدخل المبكر حال حدوث أزمة. وإذا كان هذا دور الذكاء الاصطناعي قبل المواجهات وأثنائها كما أوضحنا بالأجهزة سواء استشعار عن بعد أو غيرها، فإنّ دور التكنولوجيا الجديد يمتد حتى بعد إصابة اللاعبين، فمن خلالها يُمكن أيضًا: - مراقبة التعافي وتقديم توصيات بشأن خطط إعادة التأهيل - تحديد موعد جاهزية العودة إلى التدريب - تحديد موعد العودة إلى المنافسة والقدرة على الالتحامات لو كنّا في وقت آخر، لقلت إنّي أكتب ذلك من أجل الارتقاء بالرياضة المصرية، ومن أجل وضع الأندية على الطريق الصحيح الذي تسير فيه معظم فرق العالم، ومن أجل توفير ملايين الدولارات التي توفّرها أجهزة الذكاء الاصطناعي، لو كنا في وقت آخر لقُلت ذلك، لكني اليوم كل ما أريده هو حماية اللاعبين فقط، البشر، الإنسان الذي من حقه أن يلعب ويحلم دون خوف من السقوط فجأة، ومن حقه أن يودّع أهله آمنًا أنّه سيعود في نهاية اليوم يتناول معهم الطعام دون الحاجة لمشوار المستشفيات والمقابر، أكتب ذلك لعلّها فرصة أخيرة لحماية ثروتنا البشرية من «الفهلوة» التي باتت طاغية على المجال الرياضي، فهلوة راح ضحيتها أحمد رفعت وشذى نجم وغيرهم كثيرون.