استرعى انتباهي فيديو على «فيسبوك» أصبح في غضون ساعات حديث السوشيال ميديا والوسط الرياضي، تظهر فيه فتاتين في سباق دراجات هوائية وتتنافسان فيما بينهما على الوصول إلى خط النهاية. يبدو الأمر ممتعًا في البداية قبل أن تهم أحدهما بدفع الأخرى - عمدا أو دون قصد - لتسقط على الأرض محدثة ضجة كبيرة، بين غضب من المتسابقة الأولى باعتبارها جانية وتعاطف مع الثانية باعتبارها ضحية، وبين الإثنتين كثير من الأخبار والشائعات والتفسيرات والأحكام المسبقة قبل أن يأخذ القانون مجراه. هكذا أصبحت شهد وجنة حديث الساعة، تريند جديد سيشغل الناس لفترة لكنه لن يمضي كغيره مرور الكرام، فمستقبل الفتاتين خاصة شهد سعيد المتهمة بالشروع في قتل زميلتها على المحك. لاعبة أوليمبية مهددة بالاستبعاد من سباق دولي بسبب واقعة تتبرأ منها، «كنت بسند عليها مش قصدي أوقعها».. ربما يكون تصريحها الأخير صادقا وربما تحاول الإفلات من محكمة السوشيال ميديا التي ستقودها إلى الاستبعاد من أولمبياد باريس، لكن قبل الحكم عليها وجلدها وتدمير مستقبلها علينا أن نتأكد أولا من أنها مذنبة وأنها فعلت ذلك عامدة متعمدة رغبةً منها في الفوز على زميلتها قبل 50 مترا من خط النهاية. هل أعمت المنافسة شهد ذات ال22 عامًا؟ هل غمرتها نشوة الفوز لدرجة إيذاء زميلتها وإحداث إصابات بالغة بها؟ لو كان ذلك صحيحا فنحن أمام أزمة يقع فيها بعض اللاعبين عندما تنقطع الشعرة بين المنافسة والغيرة، فكثيرا ما تقودنا مشاعرنا الشخصية إلى أفعال خاطئة وتعمينا عن التفكير الصحيح وتستحوذ علينا فكرة تحقيق الهدف بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة في ذلك. لا أتعاطف مع «شهد» وأدين تصرفها إذا كان بقصد فهذا السلوك الخاطئ مرفوض، لكنني أتخيل ما كانت تشعر به عندما كانت تستقل دراجتها وإلى جوارها «جنة» ذات ال19 عامًا، بالتأكيد استحوذت عليها فكرة أنّ تصبح الأولى ودفعت صديقتها لا إراديًا معتقدة أنها ستؤخرها دقائق قليلة كي تصبح هي الفائزة، دون أن تدرك عواقب هذا التصرف. الرياضة أخلاق أولا وآخرًا، والمنافسة لا تعني إيذاء الغير تحت أي مسمى أو لتحقيق أي غرض. لا أستطيع أنّ أتخيل ما تمر به الفتاتان الآن، فكل منهما بالتأكيد تعيش لحظات صعبة، «شهد» تتمنى أن تختفي كل النظرات الغاضبة التي ترمقها وتتهمها بأنها أذت صديقتها عمدًا، خاصة أن مسيرتها الرياضية مهددة بالانتهاء، وبلغ بها اليأس إلى التفكير في الاعتزال «بفكر أعتزل الرياضة لأن كرامتي ضاعت ومستقبلي اتدمر». و«جنة» تتمنى أن لا تكون إصابتها سببا في حرمانها من مواصلة مشوارها الرياضي. المجتمع عليه عامل كبير الآن في الوقوف بجوار الفتاتين، نعم الفتاتين، فالمتهمة في نظرهم تحتاج إلى تقويم وليس عقاب فقط، فينبغي أن تدرك أنّ المنافسة الشريفة أهم من أي فوز وأنّ الأخلاق هي التي تحدد مصير الشخص، وتحقيق المركز الأول ربما يبعث بالسعادة في نفس أي لاعب لكن الأهم هو كيفية حصوله عليه.. هل بوسائل شرعية ومنافسة شريفة أم بطريقة غير سوية؟ و«جنة» تحتاج إلى الدعم النفسي لتتجاوز ما تمر به حاليًا وتستعيد شغفها ولياقتها البدنية مجددًا وأنّ تضرب المثل في التحدي والصبر وتقف على قدميها وتعود إلى رياضتها المفضلة.