■ اليمن كان سعيداً فصار اليوم بائساً تعيساً.. وكان حكيماً فأصبح لا يعرف سوى القات والتقاتل والمذهبية والطائفية والعشائرية والتخلف فى كل المجالات. ■ لقد نسى اليمن أو تناسى ثناء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على أهله «الإيمان يمان والحكمة يمانية». ■ ولكن اليمن يصدق فيه الآن قول الشاعر اليمنى المبدع «البردّونى»: بلادى من يدى طاغ إلى أطغى إلى أجفى ومن سجن إلى سجن ومن منفى إلى منفى ومن مستعمر باد إلى مستعمر أخفى بلادى فى كهوف الموت لا تغنى ولا تشفى وحتى فى أراضيها تقاسى غربة المنفى ■ آه.. يا بردونى.. كأنك وأنت تكتب هذا الشعر منذ سنوات تقرأ حاضر اليمن ومستقبله.. كأنك تقرأ يمن الفقر والجوع والعوز والحاجة والقات والتخلف التقنى والعلمى والصناعى. ■ هل نسيت أيها اليمن واليمنيون أن أرضكم هى أرض الأنبياء والأولياء العظام.. ألم يُبعث فيكم نبى الله هود الذى جاء لمحاربة الطغاة والطغيان هاتفاً فى الدنيا كلها بأن الحضارات لا تنفع أصحابها إذا شابها البغى وخالطها الظلم والطغيان «أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ* وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ»؟ ■ هل نسيت، يا من كنت حكيماً، أن بلقيس حكمت مملكة اليمن فكانت سبباً فى هدايتها للحق ونجاتهم من الهلاك على يد جيش سليمان.. أو تذكرون حكمتها العظيمة التى ترددت عبر الأجيال «إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً»؟ فصدّق القرآن على حكمتها بقوله «وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ»، فالقرآن صدّق على كلماتها رغم أنها لم تكن قد أسلمت بعد. ■ اليمن، يا من كنت سعيداً، ألم يحكمك من قبل الملك العربى العظيم سيف بن ذى يزن الذى وحّد العرب جميعاً وبشّر بقدوم النبى صلى الله عليه وسلم؟ ■ ألا تذكر أن سيد التابعين «أويس القرنى» يمنى.. وكان زاهداً فى الشهرة وباراً بوالديه ومجاهداً فى جيوش الصحابة؟ ■ ألا تذكرون تشريف الرسول لأويس ولليمن بقوله «سيد التابعين أويس القرنى، فمن لقيه منكم فليأمره أن يستغفر الله له»؟ فطلبها الخليفة عمر بن الخطاب من أويس فى تواضع وحياء ولم يستنكف من ذلك.. فأين العلم والعلماء والفقه والفقهاء فى يمن سيد التابعين؟! ■ هل ذهب منك، أيها اليمن، روح «معاذ بن جبل» أول دعاة الإسلام إليك الذى أوصاه الرسول (صلى الله عليه وسلم) كثيراً بأهل اليمن، وهو الذى دعاها وعلّمها ورباها وأحسن إليها بعلمه وخلقه، فبادلته العلم بالفهم والخلق بالحكمة فلم تغدر ولم ترتد أو تتمرد على شريعة السماء؟ ■ يا من كنت قوياً فى الحق.. ألم يخرج من أرضك أصحاب الأخدود المؤمنون الذين رفضوا ترك ما عليه عيسى وحواريوه والعودة إلى الوثنية وتحملوا الموت والإحراق؟ وما زالت جماجمهم وآثار الأخدود باقية حتى اليوم فى اليمن شاهدة على الصبر فى مواجهة الطغيان. ■ يا أرض الحكمة.. هل يرضيك أن يتناول معظم شعبك «القات» ليكون سخرية للدنيا كلها.. أما كفاك التخلف وركب الحضارة حولك قد تجاوزك بقرون.. هل أنت فى حاجة إلى اليقظة أم إلى مزيد من غياب الوعى؟! ■ يا أرض القوة.. ألم يقل أبناؤك لبلقيس «نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ».. فأين جيشك وبأسك لتحاربى؟ وأين فأسك لتزرعى؟ وأين ترسك لتصنعى؟ ولكن لا جيش يحمى ولا ترس يصنع ولا فأس يزرع.. ولكن فصائلك السياسية تُرضى الخارج أكثر مما ترضى الوطن.. فجيشك كان عائلياً وعشائرياً يتبع «على صالح» وأولاده. ■ يا أرض الحضارة وسد مأرب، يا أرض الحكمة والحكماء، والإيمان والمؤمنين والزهد والزهاد والتصوف الحق والصوفية الذين يلتزمون بالشريعة ويصبون نحو الحقيقة.. أين ذهب ذلك كله؟ حتى إن جزءاً من سُنتك تحولوا إلى التكفير والقاعدة والتفجير.. أما شيعتك فقد تركوا المذهب القريب من أهل السنة إلى المذهب الاثنى عشرى الذى لم تعرفه اليمن من قبل.. وكأنهم يريدون الاغتراب عن قومهم ووطنهم وخليجهم لا الاقتراب منهم.. ويتوجهون نحو إيران أكثر من توجههم نحو العرب والسنة. ■ أما السلفية المدخلية التى غزت اليمن من قبل فهى نموذج للسلفية التى تنفر الناس عن السلف وتشوههم وتصور الإسلام وكأنه تجمد فى الديب فريزر عشرات القرون.. فهؤلاء يهتمون بنقل عادات العرب إلى العالم أكثر من اهتمامهم بنقل الإسلام وروحه ومقاصده العليا. ■ وكأنى أرى الغزالى يتحدث عنهم وهو يحدث دعاة الإسلام فى أوروبا وأمريكا وأستراليا: «ليست مهمتنا نقل عادات عبس وذبيان إلى أوروبا ولكن مهمتنا نقل الإسلام فحسب».. فهذه السلفية المدخلية تهتم بالظاهر قبل الباطن وفرض الكفاية قبل فرض العين.. ولا تعرف شيئاً عن مقاصد الإسلام العليا.. وهى مع القاعدة والتكفير والحوثيين وعلى صالح والقات والقبلية من أهم أسباب تدهور اليمن وتخلفه. ■ يا يمن، يا من كنت سعيداً، أى مقارنة تلك بين بلقيس الملكة التى أنقذت شعبها وعلى صالح الذى ضيّع شعبه أكثر من 40 عاماً ثم يريد بعدها أن يورث ابنه.. فماذا سيورثه.. وهل بقى فى اليمن شيئاً جيداً لكى يرثه.. لقد تركها «قاعاً صَفْصَفاً» وصدق الشاعر اليمنى: يمانيون فى المنفى ومنفيون فى اليمن فمن مستعمر غاز إلى مستعمر وطنى.