يخبئ الرخام السميك المحيط بضريح ياسر عرفات في رام الله، أكبر سر في تاريخ فلسطين، لكن المحققين يأملون في أن يتوصلوا في النهاية إلى معرفة السبب الذي أدى إلى وفاته قبل ثماني سنوات. وفيما أجرى القضاة الفرنسيون تحقيقا قضائيا حول اغتيال الزعيم التاريخي الفلسطيني، بناء على شكوى من أرملته سهى عرفات، سيقوم خبراء المختبر السويسري الذي كشف وجود كميات غير عادية من البولونيوم على بعض من أغراض عرفات، بأخذ عينات من رفاته في 26 نوفمبر. لكن هذه التحقيقات التي حفز على إجرائها بث قناة الجزيرة فيلما وثائقيا في يوليو عن وفاة عرفات، أعادت تفجير الخلاف بين أرملته وأقربائه. وقد تسلمت الجزيرة من أرملة عرفات آخر أغراضه الشخصية التي تبين وجود آثار لهذه المادة المشعة السامة عليها. ووافقت السلطة الفلسطينية التي فاجأتها مبادرة سهى عرفات، على نبش الرفات "شرط موافقة أرملته وابن أخته ناصر القدوة الذي يمثل العائلة". ويطالب القدوة الذي يرأس "مؤسسة ياسر عرفات" ويعرب منذ سنوات عن "اقتناعه بمسؤولية إسرائيل عن تسميم ياسر عرفات"، بتشكيل لجنة تحقيق دولية. لكنه يقر بانتفاء "الدليل الملموس" الذي باتت تؤمنه قناة الجزيرة، على حد قوله. وكرر القدوة هذا الأسبوع "معارضته المبدئية" نبش الرفات "لأن أخذ عينات بعد ثماني سنوات يمكن ألا تكون مفيدة طبيا". وأضاف أن "كل فلسطيني مقتنع بأن عرفات قد اغتيل"، "لكن المشككين يقولون إنه حتى لو فتح الضريح فلن يتم التوصل إلى الحقيقة". وفي استطلاع للرأي أجرى في نوفمبر، قال أكثر من 80% من الفلسطينيين إنهم يصدقون الشائعات عن إقدام إسرائيل على تسميم عرفات، وأعرب 93% عن أملهم في الكشف عن الملف الطبي الذي نشر في 12 يوليو 2012 لكنه لم يكشف أسباب الوفاة. ولم تتراجع شعبية عرفات، رمز الوحدة الفلسطينية الضائعة. وقال ضياء الأحمد (35 عاما) الذي تصور إلى جانب أشهر صورة لعرفات، "أننا نفتقد إليه في هذا الوقت". وأضاف "كنت كلما رأيت صورة أبو عمار أقول إن الشعب الفلسطيني كله قد تصور معه، ما عداي". وخلافا لناصر القدوة، لم توجه سهى عرفات التهمة إلى أي طرف. واكتفت في أكتوبر بالقول إن "الحقيقة حول وفاة الشهيد عرفات تهم كل وطني فلسطيني". ولدى إيداع شكوى حول الاغتيال، شدد محاموها الفرنسيون على أنها "موجهة ضد مجهول، بحيث لا تتهم سهى وزهوة (ابنتهما) أحدا، لا دولة ولا مجموعة ولا فردا". وبينما كان ياسر عرفات يحتضر، فجرت سهى عرفات فضيحة باتهامها ثلاثة من قدامى رفقائه ومنهم محمود عباس "بأنهم كانوا يسعون إلى وراثة الحكم" و"يحاولون دفن أبو عمار حيا" من خلال توجههم إلى فرنسا لزيارته في المستشفى. وحيال الكشف عن وجود البولونيوم الذي أحيا الشكوك ضد إسرائيل، القوة النووية الوحيدة في المنطقة، تؤكد الدولة العبرية ألا علاقة لها بوفاة عرفات، لكنها لم تستبعد وقوع عملية اغتيال قام بها منافسون فلسطينيون. لكن هذا النفي من جانب اسرائيل التي اغتالت او حاولت اغتيال عدد من القادة الفلسطينيين، لم تبدل يقين الفلسطينيين بعد ثماني سنوات على الوقائع. ففي الأسبوع الماضي، اعترفت إسرائيل رسميا من خلال نشر مقابلة مع رئيس مجموعة كوماندوس بعد وفاته، بأنها اغتالت في 1988 في العاصمة التونسية المسؤول الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية أبو جهاد للقضاء على الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987-1993).