إحساس بالغربة ينمو بداخله يومًا بعد الآخر، يتذكر ما حدثه به ووالده وأخوته الأكبر منه سنًا، وأيضًا بعده عن بلاده التي لم يراها إلا من خلال شاشات التلفزيون، يرى فيها الخراب والدمار، يرى قرى كانت أمنًا وأمانًا سابقًا، تحتضن سكانها بين جدرانها لتبعث في نفوسهم مفهوم العائلة الذي تشتت، حتى قضى الزمان على آمال العودة، غير أن حلم من هُجر يومًا من بيته أدرى الناس بالتشبث بالحلم دون حياد عن ما هو نصب عينيه. "أبويا وأمي لما كانوا بيحكولي وأنا صغير حكولي أنهم طلعوا من بيتهم بالعافية ومعاهم عيلتنا الكبيرة ودا لما كان الصهاينة دخلوا البيت ومارسوا ضغط على أهلي علشان يسيبوا البيوت".. كلمات بدأ بها خالد عسكر، أحد الفلسطينيين الذي لفحت الشمس المصرية وجهة، وطبعت اللكنة المصرية الأصيلة على لغته، اللغة المصرية المعتادة تذكره لما جرى لعائلته في وقت نكبة 1948. "أبويا خاف على ولاده وأخواته البنات واضطر أن يخرج من المدينة ويمشي، وروحنا قعدنا مع أهالينا في غزة وقعدنا عندهم واستمرينا في غزة لحد احتلال 1967 والحال كان صعب"، ويوضح "عسكر" أن أخواته الكبار عملوا بالمقاومة في أعقاب النكسة، ما أدى إلى أسرهم من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، ما دفع والده لإخراجهم بخارج السجون الإسرائيلية والعمل جاهدًا على عبورهم الحدود حتى يصلوا مصر ليعيشوا فيها بمأمن. الاعتداءات البدنية التي كانت تمارس ضد الفلسطينيين لم تنل من عائلة "عسكر" وأسرته في شيء حسبما نقله له أباه وأخوته الأكبر منه سنًا، ليؤكد "حصل اعتداءات بدنية كتيرة لكن الاعتداء النفسي كان أكبر"، ليوضح أنه قبل محاولات سلب الأرض عنوة من جده عرضوا عليه بيع الأرض والمزرعة الخاصة به، إلا أنه وبعد رفض جده ومن في نفس موقفه، دفع اليهود إلى سلب الأرض عنوة ودون خشية من أحد. يرى "عسكر" أن الدول العربية عندما ذهبت للمحاربة في فلسطين ذهبت دون وعي، ما أدى إلى خسارتها في حرب نكسة 1967، مضيفًا أن مصر هي الدولة الوحيدة التي فتحت ذراعها للفلسطينيين، قائلا "اعتبر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الفلسطينيين النازحين لهم حقوق أكتر من المصريين في الأراضي المصرية"، مشيرًا إلى أن بوادر الأمل التي سيشعر بها الفلسطينيين عندما تعود مصر إلى دورها الريادي، وتعود القضية الفلسطينية مرة أخرى إلى المحافل الدولية.