■ نجحت لأول مرة وسائل التواصل الاجتماعى، وبسرعة فائقة، فى الإطاحة بوزير العدل؛ فبعد أقل من 24 ساعة على الحوار الذى أجراه المذيع رامى رضوان مع الوزير محفوظ صابر فى برنامج «البيت بيتك» على قناة «تن»، أقيل (استقال) الرجل من منصبه. هذا الإنجاز المدهش لوسائل التواصل الاجتماعى يستحق الإشادة والتحية، خاصة أننا عشنا زمناً كان يعتبر فيه رئيس الدولة غضب الشعب على المسئولين التنفيذيين شهادة إيجابية فى حقهم فكان الثمن فادحاً للرئيس، فلو أقال مبارك حبيب العادلى قبل يناير 2011 لاستوعب جانباً من مطالب التغيير، ولو قبِل مرسى الاحتكام لرأى الشعب فى انتخابات مبكرة قبل 30 يونيو؛ لسارت الأمور فى اتجاه آخر. إذن، نحن إزاء ضغط شعبى مكثف وسريع فرض مطلبه واستجابت له القيادة السياسية، لكن المسألة أعقد من ذلك بكثير، إذ إن السؤال المثار هو: ماذا لو لم تحشد وسائل التواصل الاجتماعى كل هذا الحشد وتصطف خلف محاسبة المسئول الذى يهدر قيمة من قيم الدستور؟ الإجابة هى أن الأمر كان سيمضى ويمر، لذلك فمع الوعى التام بأهمية الرقابة الشعبية فإن الأمر يرتبط بإجراءات أخرى أهمها إرساء ثقافة المساواة وتفعيل دور المؤسسات الرقابية. ■ استمعت إلى حوار الأزمة مع وزير العدل كاملاً، ثم قرأت حواره فى «المصرى اليوم»، الذى نشر قبل ساعات من إقالته (استقالته) من منصبه، فوجدت الرجل صادقاً مع نفسه، هو فعلاً مقتنع تمام الاقتناع بأن «الناس مقامات» وأن هناك وظائف يلزم لها لون الدم الملكى الأزرق، أو على الأقل ليس بنفس لون الدماء التى تجرى فى عروق البسطاء من البشر. لم تكن زلة الرجل الكبرى أنه أنكر على ابن عامل النظافة أن يشتغل بالقضاء، لكن زلته الكبرى أن المذيع حين نبهه بأدب شديد إلى أن هناك من قد يعتبر قوله تمييزاً وعقاباً للشخص على وضع اجتماعى لا ذنب له فيه رد عليه بما يلى «معلهش هو حايروح برضه فى وظيفة مناسبة، أنا ما باقولش يتحرم من العمل لكن حايروح فى وظيفة مناسبة لكن القاضى برضه ضرورى وسطه يبقى إلى حد ما معقول شوية»، إذن المسئول الأعلى عن مرفق العدالة فى مصر يرى أنه لا بأس من أن يكون هناك تمييز ضد فئة من المواطنين لكنه يترفق بهم فلا ينادى -ولله الحمد- بحرمانهم تماماً من العمل بل يوافق على توظيفهم بشرط أن تكون الوظائف مناسبة لوضعهم الاجتماعى! هذا هو مربط الفرس، وهذا هو بيت القصيد. هذه الذهنية المسكونة بثقافة التمييز لا تجدى محاججة تصوراتها بالتذكير بمواد الدستور، فالبشر يصنعون الدساتير ولا تصنع الدساتير البشر، ومن تشبّع بفكرة التمييز ضد المختلف لا تتوقع منه أن يغير رأيه بعد أن يصل إلى أعلى الهرم الوظيفى، وسوف يظل وضعه مستوراً، اللهم إلا إذا انتبه إليه الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعى. وبالتالى فإن المستشار محفوظ صابر استخدم بأريحية مطلقة جملاً عنصرية من نوع: «مش قوى كده، وما يبقاش برضه تحت قوى»، وهو فى حواره مع «المصرى اليوم» دافع عن «دستورية» ما قاله فى البرنامج التليفزيونى، فالمساواة تكون عند اتحاد المراكز القانونية. كان الرجل صادقاً، فرأى الأشياء كما تعوّد أن يراها، وما أسهل أن نقول له إن ابن عامل النظافة وابن القاضى لهما المركز القانونى نفسه ما داما حاصلين على التقديرات نفسها، أما اختلاف البيئة الاجتماعية فلا شأن له بالمراكز القانونية. من السهل أن تفعل لكن ما الفائدة؟ من هنا فإن قضية التنشئة الاجتماعية من الأهمية بمكان، وإدماج مفاهيم المواطنة فى المقررات الدراسية منذ الصغر أمر أساسى، على أن يتم ذلك بشكل منهجى ومدروس ومتكامل، وهناك العديد من الجهود التى يمكن البناء عليها. من جهة أخرى فقد آن الأوان للانتهاء من إجراءات تشكيل المفوضية المستقلة لمكافحة التمييز التى تمثل رقابة مؤسسية لمنع التمييز فى كل مجال، ترصد الانتهاكات وتسجلها وتحيلها للقضاء، وأنا أعلم أن هناك جهداً حثيثاً فى هذا الشأن. ■ حين لا تتحمس وسائل التواصل الاجتماعى لإطلاق حملة ضد الأداء التمييزى لبعض المسئولين فإنهم لا يحاسَبون، وهكذا ورد فى «اليوم السابع» بتاريخ 11 مايو أن وزير (التعليم) العالى وصف من يتحدث عن وجود خلافات بينه وبين رؤساء الجامعات بأنه «كذاب ونتن وقليل الأدب»، وقد كان بوسعه أن يستخدم ألفاظاً تليق بمقام رسالة الوزارة التى يترأسها مثل «إن من ردد ذلك ليست لديه معلومات دقيقة».. أما «النتانة وقلة الأدب» فدليل قاطع على ضيق صدر الوزير بفكرة «الخلاف» من أساسها وتعامله مع مخالفيه بمثل هذا الأسلوب الاستعلائى غير اللائق، فالوزير وحده هو من يحتكر صفات الدماثة والنظافة والصدق أما خصومه فغير ذلك! لذلك؛ فلا بديل عن التربية على المواطنة ومأسسة الرقابة على احترامها.