قبل نحو عام ومع إعلان ترشح عبدالفتاح السيسى لانتخابات رئاسة الجمهورية بعد عزل محمد مرسى، تصاعدت الآمال فى مرحلة جديدة تحياها مصر فى ظل رئيس قادر على السيطرة على انفلاتات بعض قطاعات الدولة التى كانت سبباً فى اندلاع ثورات الغضب فى 25 يناير وما تلاها، ومن أهمها قطاع الأمن والشرطة ممثلاً فى وزارة الداخلية ذلك القطاع الذى ساهم بانحيازه المطلق للشعب فى نجاح ثورة 30 يونيو وإزاحة الإخوان بعد عام عصيب من سيطرتهم على مقاليد البلاد. وبإعلان فوز «السيسى» بالرئاسة، اتسعت دائرة الآمال والطموحات فى السيطرة على تلك الانفلاتات، لكن بعض منها بدا عصياً على الحل رغم جهود وزراء الداخلية المتعاقبين فى تصحيح مسار الأمور، خاصة بالنسبة لتجاوزات الضباط والأفراد التى يكافحها اللواء مجدى عبدالغفار وزير الداخلية حالياً بكل ما أوتى من قوة بخلاف أزمات أخرى لم تحل حتى الآن مثل اغتيالات الضباط وأزمة المرور والتسليح. ومع توالى الأسابيع والشهور وتلاحق الأحداث بدا أن الملفات المتعلقة بوزارة الداخلية ما هو أقوى من الرئيس والدولة، ملفات خارج السيطرة خاصة فى ظل تنامى الانفلات الذى يضرب بجذوره فى قطاع الأمن والجهاز الشرطى والذى كان أهم مظاهره استمرار الكشف عن حالات التعذيب داخل السجون وانتهاك حقوق السجناء والمحتجزين داخل أقسام الشرطة التى بلغت ذروتها بقتل المحامى كريم حمدى تعذيباً داخل قسم شرطة المطرية لإجباره على الاعتراف فى إحدى القضايا. فى قضية تعذيب وقتل المحامى كريم حمدى بدا الأمر فى وهلته الأولى عابراً فقد تعودت الأذن سماع أنباء وأخبار التعذيب فى السجون بل وحتى أنباء القتل على يد ضباط الشرطة أثناء التعذيب، لكن الانتفاضة التى هبت من حيث لم تحتسب الشرطة والدولة معاً كانت من جانب المحامين ونقابتهم التى أعلن العشرات من أعضائها تضامنهم لكشف حقيقة ما تعرض له زميلهم داخل قسم شرطة المطرية من تعذيب وانتهاك لحقوقه حتى فارق الحياة داخل المستشفى، وتصاعدت حدة الاحتجاجات من المحامين حتى أعلن النائب العام المستشار هشام بركات نتائج التحقيقات التى أكدت أن ضابطين بالأمن الوطنى عذبا المحامى واعتديا عليه بالضرب حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. وقبل أيام قليلة من تصدر قضية تعذيب المحامى كريم حمدى للمشهد كانت قضية قتل الناشطة شيماء الصباغ بإطلاق الخرطوش عليها فى ميدان طلعت حرب أثناء حملها الورود تكريماً للشهداء فى ذكرى اندلاع ثورة 25 يناير. وفى البداية، أنكرت «الداخلية» تورط أحد رجالها فى ارتكاب الجريمة وأن «الصباغ» سقطت أثناء الأحداث، ثم توالى طوفان الأدلة عبر وسائل التواصل الاجتماعى والمواقع الإخبارية بعشرات اللقطات المصورة بالفيديو، موضحة أن ضابطاً ملثماً بزى ميرى هو الذى أطلق الرصاص على «شيماء». واشتعلت الأحداث مجددا وبدأت النيابة تحقيقات موسعة توصلت فى النهاية إلى أن ضابط شرطة أطلق الخرطوش على المجنى عليها من مسافة قريبة فأصابها لتسقط على الأرض مضرجة فى دمائها مسلمة روحها لبارئها وتذهب النيابة بالضابط للمحاكمة ومعه لواء شرطة ومجند، لأنهما أخفيا معلومات عن أجهزة التحقيق تتعلق بهوية مرتكب الجريمة. ورغم العديد من المناسبات التى أعلن فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى أنه لا صمت على تجاوز ولا حصانة لمخطئ فإن الواقع الذى شهدته العديد من الوقائع أظهرت أن التجاوزات لم تتوقف والانتهاكات التى يتعرض لها المواطنون سواء داخل السجون وأماكن الاحتجاز لم تتوقف وكأن مرتكبيها أقوى من وعود الرئيس وتعهداته للحد الذى دعا المجلس القومى لحقوق الإنسان لزيارة السجون والاستماع لنزلائها عن طريق وفد أطلق عليه وفد تقصى الحقائق، للوقوف على حقيقة ما يتعرضون له من انتهاكات ثم الإعلان عن نتائج هذه الزيارات وما تم فيها، التى كشفت عن تعرض عدد من النزلاء بسجن أبوزعبل للتعذيب والضرب حسب شهادات المحتجزين. وعلى الرغم من أهمية وكارثية ملف التعذيب الذى تنفجر قنابله واحدة تلو أخرى فى وجه الدولة والرئيس دون القدرة على السيطرة عليه فإن ملف مخالفات وتجاوزات التعامل مع المواطن على مستوى الشارع هو الآخر يشعل المزيد من النيران على مائدة تعهدات الرئيس. فقد شهدت الأسابيع الماضية عدة حوادث كان أبطالها ضباط وأفراد الشرطة من بينها اغتصاب فردى شرطة لفتاة داخل سيارة الشرطة بمنطقة الساحل حيث كشفت التحقيقات عن أن المتهمين عندما وجدا الفتاة فى الشارع فى ساعة متأخرة من الليل ادعيا أنهما سيقومان بتوصيلها لمنزلها ثم اعتديا عليها، وبعرضهما على النيابة أمرت بحبسهما على ذمة التحقيقات وفقاً للاتهامات المنسوبة إليهما. ومن اغتصاب فتاة «الساحل» إلى مشهد انتشر فى وسائل التواصل الاجتماعى والمواقع الإخبارية انتشار النار فى الهشيم عندما التقطت كاميرا هاتف محمول أحد المواطنين مقطعاً مصوراً لضابط شرطة ربط سائق تاكسى فى سيارته لأن السائق اعترض على سير الضابط بسيارته عكس الاتجاه فى أحد شوارع مدينة الإسكندرية، وعلى الرغم من الجرم الذى ارتكبه الضابط فإن توسلات الأهالى لفك قيد السائق لم تشفع لهم لدى الضابط الذى واصل غطرسته، ومع حدة الانتقادات التى وجهت للشرطة ورجالها قرر مدير أمن الإسكندرية إحالة الضابط للتحقيق وإيقافه عن العمل. ولم يتوقف مسلسل التجاوز حيث تطفو على السطح بين الحين والآخر قصة جديدة لمخالفات ضباط وأفراد الشرطة مع المواطنين. القتل بالإهمال فى مقار الاحتجاز أحد الملفات التى لم تجد حلاً هى الأخرى فقد شهد عام 2014 وفاة أكثر من 90 متهماً داخل أقسام الشرطة فى محافظتى القاهرة والجيزة، وهو مؤشر يؤكد أن الرئيس ما زال يعانى أمام هذه المشكلة، حيث شهد عام 2013 وهو العام الذى كانت فيه البلاد تحت حكم المستشار عدلى منصور وفاة 65 متهماً فقط داخل أقسام الشرطة فى محافظتى القاهرة والجيزة، هذا بالإضافة إلى بعض قضايا التعذيب التى شهدتها الأقسام مؤخراً وعودة التعذيب بالكرباج الذى كان قد اختفى قبيل ثورة 25 يناير. وطالب «السيسى» مراراً وتكراراً وفى عدة مناسبات بضرورة احترام حقوق المواطنين وعدم تجاوز ضباط الشرطة مع مراعاة الحالة الأمنية. واعترف الرئيس بارتكاب الشرطة انتهاكات فى مجال حقوق الإنسان، لكنه بررها بمرور البلاد بظرف استثنائى، إلى جانب وجود مخاطر أمنية. وتعد الصراعات بين السلطات أزمة حقيقية، تظهر من وقت إلى آخر، وحتى الآن فشلت الدولة فى وضع حل لها وهى الصراعات التى تطل علينا من حين لآخر بين ضباط الجيش و«الداخلية» تارة وبين ضباط «الداخلية» والنيابة العامة تارة أخرى، ففى كل مرة كان «السيسى» يرسل رئيس حكومته لفض الصراع بينهما، وآخرها ما حدث فى مكتب النائب العام بالقاهرة الجديدة حيث ذهب إليه المهندس إبراهيم محلب واللواء مجدى عبدالغفار وزير الداخلية لتصفية الخلاف الذى طرأ بعد القبض على وكيل نيابة بصحبة فتاة داخل سيارته أسفل كوبرى بالقليوبية وتحرير محضر آداب له وللفتاة. ملف آخر فى «الداخلية» يبدو بلا حل حتى الآن وهو تسليح رجال الشرطة، وهو من القضايا التى يقف أمامها الرئيس السيسى حائراً نظراً للأموال الضخمة التى يتطلبها التسليح بسبب أسعار الأسلحة التى شهدت ارتفاعاً ملحوظاً لتزايد الطلب عليها من قبل جميع الدول العربية التى لجأت لتسليح داخليتها بعد المظاهرات التى اجتاحت عدداً كبيراً من الدول. وهناك ملف آخر، وهو تعرض ضباط «الداخلية» لحملة اغتيالات، آخرها مقتل العقيد وائل طاحون، مفتش مباحث شرق القاهرة، أمام منزله بجوار محطة مترو حلمية الزيتون، وفى واقعة أخرى اغتيل العقيد عاطف الإسلامبولى، أثناء مروره على الخدمات الأمنية فى مدينة الصف بالجيزة. وتبقى أزمة المرور بالقاهرة الكبرى من الملفات الشائكة التى لم تجد حلاً، فمع تفاقم أزمات المرور والزحام الشديد، باتت الحاجة ملحة لإيجاد حلول ناجعة لمواجهة هذه المشكلة، وتتسبب أزمة المرور فى خسائر يقدرها خبراء بين 8 و12 مليار جنيه سنوياً، ناهيك عن الآثار السلبية الأخرى على المواطنين، خاصة أن القاهرة تعد من أكبر العواصم فى كثافتها السكانية وتسير بها مليون و800 ألف سيارة يومياً، وهناك عجز فى أماكن الانتظار يقدر ب600 ألف مكان، والانتظار الخاطئ يفقد الشوارع 33% من طاقتها الاستيعابية.