على عكس ما يتمناه كثيرون، فإن مهمة البطريرك تواضروس لن تكون مهمة روحية فقط، أو مسيحية فحسب، ولأول مرة فى تاريخ البطاركة الأقباط سوف يفرض الواقع الموضوعى بعداً سياسياً كبيراً على الجالس على كرسى مارى مرقص، كما أن المهام البابوية سوف تتجاوز الجغرافيا الروحية، ومن ثم فالمهمة مركبة، حيث لم تعد الكنيسة مجموعة الإبراشيات القديمة أو جماعة المؤمنين الأرثوذكسية التقليدية، بل صارت الكنيسة جامعة رسولية، ومتعددة الجنسيات والطقوس، وتوجد فى كل قارات العالم.. ورغم ذلك ما زالت الكنيسة تدار بأساليب إدارية «قرووسطية»، كما أن البطاركة المتعاقبين منذ البابا 112 وحتى البابا 117 تعاملوا مع المجالس الملية بنظرة صراعية حيث لم تكتمل فترة أو مهام أو لوائح المجالس الملية منذ الصراع الأول بين كيرلس الخامس وبطرس غالى وحتى الصراع المكتوم ما بين شنودة الثالث وثروت باسيلى، والعلاقة بين المسلمين والأقباط لم تعد حكرا على المرجعيات التقليدية فى الأزهر والكنيسة ولا على دولة القانون المتعارف عليها بل صارت تتدخل فى مسارات العلاقة الإسلامية المسيحية عوامل أخرى اقتصادية وإعلامية وسياسية وتنظيمات جهادية تكفيرية متعددة الجنسيات والمذاهب، وهكذا لم يعد الشعار التاريخى «الدين لله والوطن للجميع» قابلا للتحقيق.. فالدين تداخلت فى ممارساته عوامل كثيرة.. والوطن يعانى من حالة تفكك هيكلى ومهدد بالتقسيم. وإذا انتقلنا من الظرف الموضوعى إلى الذاتى من خارج الكنيسة إلى داخلها سنجد أن (المجمع المقدس) الذى قفز من 18 مطراناً وأسقفاً فى 1971 إلى (21) 2011، ويبلغ متوسط السن لأعضائه (55) عاماً تقريباً و99% منهم تمت سيامتهم فى عهد البابوات كيرلس السادس 4% و95% شنودة الثالث، ولعبت مراكز القوى فى المجمع المقدس دوراً فعالاً فى تزكية المرشحين الأساسيين، وكانت مرحلة الترشح والتصفية للمرشحين من (16) إلى (5) هى أصعب المراحل ولكن الأنبا باخوميوس لعب دوراً حكيماً وأساسياً فى قيادة الكنيسة إلى بر الأمان، ولعب دوراً محورياً فى مساندة الأنبا باخوميوس طرفان هما: القوى الثورية الجديدة بالكنيسة والتى عمل لها الجميع ألف حساب خشية من انقسام الكنيسة أو انتقال الفوضى المجتمعية إلى داخل الكنيسة.. هؤلاء الثوريون هم الرقم الصعب أمام البابا تواضروس، والطرف الثانى كان نيافة الأنبا بولا الذى لعب دور رأس الحربة واستغل مكانته فى الكنيسة واللجنة التأسيسية للدستور لكى يفرض سطوته على غرار الأنبا بيشوى فى مؤشر جديد سيمثل تحديا حقيقيا أمام البابا تواضروس، ولعل تصريحات الأنبا بولا السياسية لصحيفة «المصرى اليوم» بأنه وراء النص الذى يمنح حرية العبادة للأديان السماوية فقط، كما أبدى موافقته على مرجعية الأزهر التى رفضها الأزهر نفسه.. وهاجم العلمانية، الأمر الذى استهجنته اللجنة المركزية للتوعية الوطنية بالكنسية ورأت أن تلك الأفكار لا تمثل الأقباط. تلك التصريحات التى يحاول فيها الأنبا بولا أن يكون «خيرت الشاطر» البابا تواضروس!! لذلك كله فإن البطريرك تواضروس مع كامل احترامى وعكس ما يرجو السياسيون سوف يلعب دوراً مهماً فى تحديد جدول أعماله وتوجهاته المتشددون الإسلاميون والمسيحيون، والقوى الثورية من الأجيال الكنسية الجديدة، ومراكز القوى فى الأكليروس.. والله أعلم.