وزير التعليم: تعديل منهج اللغة العربية والدراسات والدين والرياضيات للمرحلتين الابتدائية والإعدادية    الرئيس السيسى يستقبل مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية    البورصة المصرية تخسر 4.8 مليار جنيه في ختام تعاملات الاثنين    محافظ أسيوط يوقع بروتوكول تعاون مع وكالة الفضاء المصرية لنشر الثقافة العلمية ودعم التنمية المحلية    تخريج 100 شركة ناشئة من برنامج «أورانج كورنرز» في دلتا مصر    «مش هاسيب لأولادي كل ثروتي».. تصريحات مثيرة ل سميح ساويرس حول التوريث    افتتاح معرض إعادة التدوير لمؤسسة لمسات للفن التشكيلي بحضور وزيرة البيئة    وزير الخارجية: هناك إمكانية لتطوير العلاقات الثنائية مع إيران بما يخدم مصالح الشعبين    عراقجي: لن نتخلى عن حقنا في تخصيب اليورانيوم لكننا مستعدون لإثبات سلميتنا    عاجل| "أزمة غزة" تصعيد متزايد وموقف بريطاني صارم.. ستارمر يحذر من كارثة إنسانية ولندن تعلّق اتفاقية التجارة مع إسرائيل    3 أندية تحجز مقاعدها في كأس العالم للأندية 2029 بعد تتويجات تاريخية    ممدوح عيد يحضر اجتماع اتحاد الكرة برفقة كأس دوري أبطال إفريقيا    باير ليفركوزن يرفض عرضا ثانيا من ليفربول لضم فيرتز    تباين آراء طلاب الشهادة الإعدادية بجنوب سيناء حول أسئلة امتحان مادة الهندسة    ورشة عمل حول دور تطبيقات نظم المعلومات الجغرافية في حفظ وتوثيق التراث    «واكلين الجو».. 3 أبراج هي الأكثر هيمنة وقوة    دعاء يوم عرفة 2025 مستجاب كما ورد عن النبي.. اغتنم وقت الغفران والعتق من النار    وزير الصحة: هناك علاقة وثيقة بين التطعيمات وتحسين الصحة العامة للأطفال    زيلينسكي يعرب عن تطلعه إلى "تعاون مثمر" مع الرئيس البولندي المنتخب    برواتب تصل ل350 دينارا أردنيا.. فرص عمل جديدة بالأردن للشباب    حزب السادات: فكر الإخوان ظلامي.. و30 يونيو ملحمة شعب وجيش أنقذت مصر    مصمم بوستر "في عز الضهر" يكشف كواليس تصميمه    لو معاك 200 ألف جنيه.. طريقة حساب العائد من شهادة ادخار البنك الأهلي 2025    عاجل.. تعرف على أسباب استقالة محمد مصليحي رئيس نادي الاتحاد السكندري من منصبه    وزير الصحة يتسلم شهادة الصحة العالمية بالسيطرة على فيروس B    مصرع عنصر إجرامي شديد الخطورة وضبط 333 كيلو مخدرات| صور    مراجعة الصيانة.. جهاز المنيا الجديدة يصدر بيانا بشأن منظومة مياه الشرب والصرف    «تعليم الجيزة» : حرمان 4 طلاب من استكمال امتحانات الشهادة الاعدادية    المخابرات التركية تبحث مع حماس تطورات مفاوضات الهدنة بغزة    التضامن الاجتماعي تطلق معسكرات «أنا وبابا» للشيوخ والكهنة    بى بى سى توقف بث مقابلة مع محمد صلاح خوفا من دعم غزة    مدير المساحة: افتتاح مشروع حدائق تلال الفسطاط قريبا    وزير الثقافة: افتتاح قصر ثقافة الطفل بسوهاج يوليو المقبل    "الأونروا": لا أحد أمنا أو بمنأى عن الخطر في قطاع غزة    «صعبت عليا نفسي».. سيحا يكشف موقفًا مؤثرًا مع والده بعد الانتقال إلى الأهلي    مصدر من الزمالك ل في الجول: عرض رسمي من الوداد لضم صلاح مصدق    الشيوخ يبدأ جلسته لمناقشة بعض الملفات المتعلقة بقطاع البيئة    بعد 15 سنة محاولة.. حاج مصري يصل إلى مكة المكرمة مع زوجته لأداء مناسك الحج    أزمة المعادن النادرة تفجّر الهدنة التجارية بين واشنطن وبكين    مصادر طبية فلسطينية: 35 قتيلا بنيران إسرائيلية قرب مراكز المساعدات خلال الساعات ال 24 الأخيرة    آن ناصف تكتب: "ريستارت" تجربة كوميدية لتصحيح وعي هوس التريند    إنتر ميلان يضع مدرب فولهام ضمن قائمة المرشحين لخلافة إنزاجي    توريد 169 ألفا و864 طنا من محصول القمح لصوامع وشون سوهاج    ميراث الدم.. تفاصيل صراع أحفاد نوال الدجوى في المحاكم بعد وفاة حفيدها أحمد بطلق ناري    رئيس الوزراء يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات خلال شهر مايو الماضي    إنشاء جدارية لتاريخ وأعلام القليوبية بممشى أهل مصر فى بنها    تعليم دمياط يطلق رابط التقديم للمدارس الرسمية والرسمية لغات    هيئة الشراء الموحد: إطلاق منظومة ذكية لتتبع الدواء من الإنتاج للاستهلاك    وزير الصحة: 74% من الوفيات عالميًا بسبب الإصابة بالأمراض غير المعدية    22 سيارة إسعاف لنقل مصابي حادث طريق الإسماعيلية الدواويس    لطيفة توجه رسالة مؤثرة لعلي معلول بعد رحيله عن الأهلي    حكم الأخذ من الشعر والأظفار لمن أراد أن يضحي؟.. الإفتاء تجيب    «من حقك تعرف».. ما إجراءات رد الزوجة خلال فترة عِدة الخُلع؟    تكريم الفائزين بمسابقة «أسرة قرآنية» بأسيوط    زلزال بقوة 6.3 درجة يضرب قبالة سواحل هوكايدو شمالي اليابان    الرئيس السيسي يهنئ مسلمي مصر بالخارج بحلول عيد الأضحى المبارك    أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما    رئيس حزب الوفد في دعوى قضائية يطالب الحكومة برد 658 مليون جنيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواعيد الشوق
نشر في الوطن يوم 17 - 04 - 2015

تأتى أعياد الربيع محملة بالوعود.. ألبّى انتظار حقائبى التواقة للسفر.. أملأها بتفاصيل كثيرة: ردائى المفضل، كتاب يعاتبنى وقد هجرته منذ العطلة الأخيرة فى الجنوب، أوراق مبعثرة أبثها هواجسى وأحلامى، ونوستالوجيا الأيام الخوالى.. أتمنى لو يمنحنى ألبرت إينشتين أحد أشعته النسبية الراحلة بأجمل ذكرياتنا إلى الكون اللانهائى فأمتطى جياد الزمان وألحق بها لأستعيد أحلاماً ليس لها تاريخ نهاية صلاحية.. إنها وعود بأجمل الأيام التى لم تأتِ بعد لكنى أودعت ملامحها ووصفها ببعض أشعته الراحلة بعيداً.. ومرت السنون.. وتاهت منى التفاصيل.. أرنو إلى السماء.. أعرف أنها هناك تعانق أحد النجوم.
وكلما وطئت قدماى أرضاً جديدة، ازددت عمراً جديداً.. تورثنى الموانئ المزيد من الذكريات.. تمنحنى حيوات أخرى ربما عشتها فى أبعاد لا ندركها.. بلاد الشمال وغرور الحضارة.. بلاد الشرق البعيد وجنون آلهة تمشى بين البشر.. بلاد الجنوب وإيقاعات لا تعرف الخجل.
لكن حقائبى لا ترتاح ولا تهدأ إلا هناك فى مرافئ الوطن.. تندهنى (ندّاهتها) بتعويذتها الأبدية.. إنها الإسكندرية تلك الجنّيّة المسحورة آسرة الملوك، ملهمة الشعراء.. أنتظر مواعيدها بوَله المشتاق، لألقى بأحزانى على شراع موجة عفية بوعد السفر لبلاد النسيان، هنالك على الجانب الآخر حيث لن نراها أبداً.
أما البحر.. ذلك العاشق، الثائر، الحائر، الغامض، البرى، المجنون الذى لا يعرف الحضارة.. فأعشقه وأخشاه، فبيننا أسرار وحكايات ورفاق رحلوا ولم يعودوا أبداً.. يعرف كيف يحتوينى، يسلبنى بعضاً من إرادة مرهَقه.. أعترف له بما صنعته بى الأيام.. يبكينى، يضحكنى، يلومنى على بعاد اقترفته دون إرادة منى.. يعيدنى فى لحظات تلك الفتاة الصغيرة تعانق أقدامها الماء، تقاوم، تتطاير جدائل شعرها وطرف فستانها فى حياء.. أضع ودعة أهدانيها البحر على أذنى.. تردد أصداء «أنا هويت وانتهيت، وليه بقى لوم العزول».. وآه من الشيخ سيد درويش ووجع فى القلب يعرف كيف يواسيه، يمنحنى رحلة لا أملها على إيقاع تطاير جدائل حصان ودود، يميل على البحر مع الهواء ليقود (الكارتّة) فى خيلاء.. أحتضن شوارعها وحواريها، يصاحبنى بيرم التونسى ابن السيالة بسؤال أعرف له إجابة «هو صحيح الهوى غلاب؟».. نعم غلاب.
أكاد أشاركه الجنون والغيظ وهو يصيح «هاتجن يا ريت يا اخوانا ما رحتش لندون ولا باريس. دى بلاد تمدين ونضافة وذوق ولطافة وحاجة تغيظ».
يمد لى «النديم» يداً لأبتسم لأعظم الصعاليك وأنبل الصعاليك كما وصفه شاعرنا الأبنودى «أدباتى أراجوز نديم صاحبى وخلانى دجال مهرج مركب صوتى فى لسانى وصحيت لقيتنى أعرفك وانتى عارفانى وخدانى من مجلس الضايعين وعلى أعلى منبر يهزك صوتى وكيانى».. يرينى إصدارات مجلاته «الأستاذ»، و«التنكيت والتبكيت» و«اللطائف».. وككل العاشقين مات منفياً وحيداً على الشاطئ الآخر بعيداً عن الوطن فى عاصمة الخلافة العثمانية.
ما زالت هيباتيا، أول عالمة رياضيات فى التاريخ، الفيلسوفة أفلاطونية الهوى سكندرية الهوية، تقف بجوار قرص الشمس الساطع من مكتبة الإسكندرية معانقاً البحر تعلم طلابها بشغف مقاييس النجوم، تحمل فى يدها «إسطرلاباً» اخترعته.. وتبتسم رغم الحرق والقتل والظلم.
أصفق للشيخ سلامة حجازى.. يصول ويجول بفرقته ومسرحياته مناضلاً ومعلماً على منبر آخر لا يعرف حدود الزمان أو المكان.
يبهرنى كفافيس، ابن الإسكندرية، أعظم شعراء اليونان فى العصر الحديث، وهو يعلن فى قصيدته (المدينة) أن البعد عنها هو الموت ذاته: «سأذهب إلى أرض ثانية وبحر آخر.. إلى مدينة تكون أفضل من تلك المدينة.. كل محاولاتى مقضى عليها بالفشل.. وقلبى سيدفن كالميت».
أتأمل خليط الحضارة العجيب فى مبانيها.. شوارعها.. عيون تمنحك مع بريقها جزءاً من التاريخ.. هنا بقالة الخواجة ينّى الذى وقع فى حب الماريا فلم يغادرها أبداً.
لا تزال بقايا لافتة عم موسى الساعاتى اليهودى وآثار دموع لم يعرف كيف يخفيها -وهو راحل مع الأبناء القساة قلوبهم تاركاً عمره لبلاد لا تعرف التوق- تعلن كيف استطاعت ذات التراب الزعفران أن تذيب كل الثقافات.
أتوقف عند مسجد القائد إبراهيم.. يهدأ الموج لدرجة الصمت.. هنا، مات الرفاق ولا تزال الدماء شريدة، شهيدة.. أحاول تجاهل لحظة انكسار.. أنظر إلى البحر مستغيثة.. يعدنى ألا يموت الحلم.. هكذا قال التاريخ.. أصدقه.. أقرأ الفاتحة وأمضى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.