منذ أن تم الإعلان عن الدول المشاركة فى «عاصفة الحزم» كثر الحديث عن المحيط الإسلامى المؤيد، وهو «تركيا، باكستان» باعتبارهما حليفاً مؤيداً للسعودية وحلفائها العرب، وإيران باعتبارها الدولة الإسلامية المعارضة، بل المحرضة والمتسببة فى كل ما يحدث، ليس فى اليمن فقط، بل فى العراقولبنان وسوريا وحتى أفغانستانوباكستان أيضاً، وهذا ما عبر عنه بالضبط مؤخراً الشيخ عبدالله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتى، فى مؤتمر صحفى مع نظيره وزير الخارجية اليمنى. كثيرون انطلقوا من وجود تركياوباكستان كمشاركين فى «عاصفة الحزم» باعتبارها حرباً طائفية من المربع العربى والإسلامى السنى ضد الهلال الشيعى الإيرانى، لكن تبين مع الوقت أن ذلك استعجال فى الحكم وتسويق الأمر على أنه حرب طائفية مذهبية، وكان لى مقال سابق قمت بالرد من خلاله على ما كتبه «روبرت فيسك»، الصحفى البريطانى، حين صور الأمر على أنه هكذا، وأكدت أن هذا التحالف العربى ضد جيوب إيران فى المنطقة ليس هو الأول؛ ففى بداية الثمانينات كانت هناك حرب استمرت 8 سنوات بين صدام حسين ومن خلفه المحيط الخليجى، وكلهم شكلوا حلفاً ضد إيران ولم يقل أحد إنها حرب طائفية. وبالنظر إلى الدول الإسلامية غير العربية الثلاث «تركياوباكستانوإيران» نجد أن كل دولة تدرس الأمر لحالها فى إطار «عاصفة الحزم» وفى إطار مواقفها: أولاً: باكستان المؤيدة وغير المشاركة: أول خلط تم أن كثيرين كتبوا وأعلنوا أن باكستان مشاركة فى «عاصفة الحزم» وهذا غير صحيح لأن المملكة طلبت من باكستان المشاركة، ثم أحال نواز شريف، رئيس الوزراء الباكستانى، الطلب السعودى إلى البرلمان لدراسته واتخاذ قرار بشأنه، داعياً البرلمان ألا يتعجل فى ذلك. وأعلن «شريف» نفسه أنه لن يسمح بأن تُهدد السعودية من أى طرف، وأنه سيتدخل بكل قوة إذا حدث ذلك، لكنه لم يفسر الكيفية التى سيتدخل من خلالها. ومشاركة باكستان فى «عاصفة الحزم» مرهونة بمجموعة من التحفظات؛ ربما أولها ما قاله البرلمانى المعارض غلام أحمد بأن «تدخلنا فى اليمن سيشعل حريقاً كبيراً فى بلادنا»، وفُسر هذا الحريق تبعاً لوجود المكون الشيعى فى التركيبة السكانية الباكستانية التى تصل إلى الخُمس من إجمالى عدد السكان الذى يصل إلى 180 مليون نسمة، هذا «الخُمس الشيعى» الباكستانى قد يثور أو يعترض على مشاركة باكستان فى ضرب الحوثيين الشيعة فى اليمن، وهذا طبعاً سيحرك الأغلبية السنية الطاحنة من السكان وستتعرض الأقلية الشيعية بالتأكيد لاضطهاد كبير قد يفتح الباب لامتداد هذا الصراع إلى أفغانستان غير المستقرة سياسياً بالأساس. التحفظ الآخر هو الذى طرحه نواز شريف نفسه حين قال: «لا نريد أن يقول أحد إنها حرب طائفية، لذا علينا التأنى ودعم الحل السلمى». هذا الرأى كان له معارضون كثر داخل البرلمان الباكستانى. مشاهد حسين، عضو مجلس الشيوخ فى حزب «الرابطة الإسلامية» الحاكم، قال: «اليمن بالنسبة للسعودية كأفغانستان بالنسبة لباكستان ويجب ألا نترك السعودية وحدها وعلى إيران التوقف عن إرسال حزب الله أو غيره إلى اليمن للحرب». إيران المحشورة فى زاوية صعبة: بعيداً عن هذا الجدل داخل البرلمان الباكستانى، طلب نواز شريف من إيران لعب دور إيجابى وأن تكون جزءاً من الحل وليس المشكلة ثم دعاها للنقاش، ولم يمض وقت طويل بعد ذلك، حيث أرسلت إيران وزير خارجيتها إلى إسلام آباد فى زيارة استمرت يومين والعنوان الرئيسى لها كان اليمن. تفسير سرعة الاستجابة الإيرانية يعود إلى المكاسب التى تحققها «عاصفة الحزم» على أرض الواقع فى اليمن، أضف لذلك سرعة وإيجابية التحرك الخليجى العربى فى نفس الوقت، كل هذا جعل إيران تبحث عن مخارج حتى لو هدنة يقال عنها إنسانية، وهذا ما طلبته من سلطنة عمان «الدولة الخليجية الوحيدة التى لم تشارك فى عاصفة الحزم» لتقدم مقترح الهدنة إلى السعودية، لكنه قوبل برفض شديد من السعودية وحلفائها لأنهم رأوا فى الهدنة مكراً سياسياً يراد من ورائه إعادة دعم وتسليح الحوثيين، وهذا قد يجعل المعركة تحتاج وقتاً طويلاً. سرعة الاستجابة الإيرانية هذه جعلت البعض يستغرب، خصوصاً أن البعض نظر إلى إيران بعد توقيعها اتفاقاً إيرانياً مع الغرب بخصوص ملفها الإيرانى على أنه سيزيد من شوكتها، بل سيعطيها خيارات كثيرة على حساب دول الخليج، وربما كانت هناك أصوات كثيرة من الكتَّاب الذين هولوا من مكاسب إيران من وراء توقيع هذا الاتفاق الإطارى، بل قال البعض إن توقيت التوقيع سيكون سبباً فى إفشال «عاصفة الحزم» لأن أمريكا والغرب سيكونون مزعزعين فى دعمه، وهذا كان خطأ بالكلية. والحقيقة أن هناك كثيراً من الأسباب استجدت تقلل من قيمة هذا الاتفاق؛ أولها أنه مجرد اتفاق إطارى، وليس اتفاقاً نهائياً، وأن الاتفاق النهائى موعده 30 يونيو. ثانياً الموقف الأمريكى نفسه يحتاج تدقيقاً، فهذا الموقف ازداد حدة فى التأييد ل«عاصفة الحزم» بعكس ما كتبه البعض بأنه سيزداد حدة فى المعارضة للعاصفة والتأييد لإيران، لأن البعض بالغ بأن التوقيع جاء فى إطار صفقة أمريكية إيرانية تقوم على أساس أن أمريكا تريد استبدال الحليف الخليجى بحليف إيرانى، وهذا أثبتت التصريحات والمواقف الأمريكية الأخيرة عدم صحته؛ ففى يومين فقط صرح مستشار «أوباما» لمراسلة «العربية» فى واشنطن بأن أمريكا تتعهد بالوقوف فى مواجهة أى تهديدات لدول الخليج من إيران أو من غيرها. وفى اليوم الثانى أكد مساعد وزير الخارجية من الرياض أن قرار المساعدات الأمريكية ل«عاصفة الحزم» اتخذ بالفعل. الأمر الآخر والأهم هو تصريحات «أوباما» نفسه للإذاعة الوطنية الأمريكية العامة، حيث أكد على مجموعة نقاط شديدة الأهمية؛ أولها: لو نفترض أنه تم التوقيع على الاتفاق فى نهاية يونيو المقبل، الذى بموجبه ستتم إزالة العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، قال «أوباما» وأكد أن هناك اتفاقاً يتم بموجبه إعادة فرض هذه العقوبات مرة أخرى إذا أخلت إيران بأى من تعهداتها دون الرجوع إلى مجلس الأمن الدولى حتى لا تكون هناك فرصة لأن تستخدم روسيا، حليفة إيران، حق النقض الفيتو، وهذا يجعل بالطبع أمر إعادة فرض العقوبات أسهل بكثير من إزالتها، وهذا ليس فى صالح إيران بالتأكيد. الشىء الآخر أن «أوباما» أكد أن التوافق حول الملف النووى لا يعنى توافقاً أمريكياً إيرانياً فى كل القضايا العالقة، بل وضع اشتراطات واضحة لإيران، أولها أن تتوقف عن إثارة القلاقل عبر حزب الله فى لبنان والحوثيين فى اليمن وحزب الله العراقى وميليشياتها فى العراق، وأيضاً أن تتوقف عن دعم بشار الأسد الذى يقتل شعبه منذ أعوام. إذن فى ظل هذا الموقف الأمريكى الذى لا يختلف كثيراً عن الموقف الغربى كله تجاه إيران ترى إيران نفسها بين كماشة الغرب وكماشة العرب وكماشة أخرى إسلامية تقودها تركياوباكستان، فهى محشورة فى زاوية ضيقة لا تحتمل الهروب إلى الأمام، بل تستوجب منها لو كان هناك عقل لدى النظام الحاكم أن يعترف بأخطاء الأنظمة السابقة ويعيش فى سلام مع جيرانه. وحسب علمى ومعرفتى بالتركيبة الحاكمة فى إيران أكاد أجزم أن لو كان الأمر بيد حسن روحانى لتصرف بعقل ومنطق أكثر لكن للأسف الذين يحكمون إيران لا يتغيرون حتى لو تغير الرؤساء، «روحانى» من عجينة «خاتمى»، متفتح، يكره الصراع على الأقل مع محيطه المسلم وجواره العربى. «أوباما» أكد مراراً أن سبباً مهماً من أسباب توقيع الاتفاق الإطارى هو إزالة العقوبات الاقتصادية من أجل دعم النظام المعتدل الحاكم فى إيران أمام شعبه، هذا الشعب المسكين الذى كُتب عليه أن يعيش محروماً وهو يرى أكثر من نصف ميزانيته تبعثر على ميليشيات منتشرة فى الدول العربية لإثارة القلاقل، والله لو أُنفقت هذه الأموال الإيرانية التى تُنفق فى القتل وترويع الناس فى عمل مشروعات خيرية فى اليمن وفى لبنانوالعراق وسوريا لوقف الجميع خلف إيران، وأصبحت جزءاً من الأمة ومن الانتماء. تركيا الرابحة و«أردوغان» الجرىء: الموقف التركى لم يختلف عن الموقف الباكستانى، بل كان أكثر حدة وصراحة ووضوحاً، ف«أردوغان» فور إطلاق عاصفة الحزم شن حرباً من التصريحات النارية ضد إيران عبر التليفزيون التركى وطالبها بأن تتوقف عن العبث فى الدول العربية وتحترم سيادة هذه الدول، وأعلن أنه مع «عاصفة الحزم». هذه التصريحات خلقت موجة غضب فى الداخل الإيرانى تم على أثرها تم استدعاء السفير التركى فى طهران وارتفعت مطالبات برفض زيارة «أردوغان» التى كانت وقتها مرتقبة إلى طهران، وكتبنا وقتها وقلنا هل سيذهب «أردوغان» إلى طهران فى ظل هذه الأجواء الرافضة له؟ لكن «أردوغان» الجرىء ذهب، ورأينا هذه الزيارة وتابعناها، وقال لهم فى عقر دارهم: لو لم تخفضوا سعر الغاز الإيرانى سنتوقف عن استيراده، هنا استحضر لغة التحدى الأردوغانية ضد إيران. وتبين من وراء هذه الزيارة أن تركيا تريد معرفة الموقف الإيرانى، وربما زيارة ولى العهد السعودى إلى تركيا قبيل زيارة «أردوغان» إلى طهران تجعل أن هناك كثيراً من الموضوعات التى ستُطرح كحلول دبلوماسية بين هذه الدول، أولها أن مفتاح الحوثيين فى طهران، وبالتالى لو قبَل الحوثيون بالشروط الخليجية التى تمت صياغتها فى المشروع الخليجى المقدم إلى مجلس الأمن وهى الانسحاب وتسليم السلاح والاعتراف بالشرعية سيكون هناك توقف للعمل العسكرى والجلوس إلى طاولة المفاوضات. أمام كل هذه التشابكات يصعب التوقع بما ستؤول إليه الأحداث، فى أوقات الحروب تبقى للأسف كل الاحتمالات قائمة.