أحمد موسى: استقالة حكومة مدبولي مفاجأة لم يكن يتوقعها أحد    إصلاح التعليم    بالأرقام| مصطفى مدبولي.. قائد «حكومة التحديات» لصُنع الإنجازات    محافظ الإسماعيلية يستقبل رئيس قطاع الحسابات والمديريات بوزارة المالية    فرحات: حكومة «مدبولي» عملت في بيئة شديدة التعقيد ونجحت    الولايات المتحدة تتوقع موافقة تل أبيب على مقترحها لغزة وتترقب موقف حماس    منتدى أسوان يناقش أجندة الاتحاد الإفريقي 2063 وأهداف التنمية المستدامة    إحالة العاملين بثلاثة مراكز شباب بالقليوبية للتحقيق لتغيبهم عن العمل    موراتا يلمح لمغادرة أتلتيكو مدريد    كرواتيا يحسم الشوط الأول أمام مقدونيا الشمالية بهدفين    «لبيك اللهم لبيك».. ضيوف الرحمن يغادرون لأداء فريضة الحج| صور    جيش الاحتلال يعلن مقتل 4 من المحتجزين فى خان يونس جنوبي قطاع غزة    حزب الريادة: حكومة مدبولي قدمت العديد من الإنجازات في وقت بالغ الصعوبة    وزير الصناعة: 16.9% زيادة في حجم التبادل التجاري بين مصر والمجر العام الماضي    رئيس النواب يهنئ "مدبولي" لتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة    وجه جديد أم استقرار؟ وزير الرياضة في الحكومة الجديدة بين مؤيد ومعارض.. 3 مرشحين وملف يهددون إنجاز أشرف صبحي (تحقيق)    وزير الرياضة: تتويج نائل نصار إنجاز جديد في تاريخ الفروسية    الجابر: دعم الشركات الصناعية الصغيرة والمتوسطة وتقديم مزايا تنافسية لتشجيع التصنيع المحلي    سيناتور أمريكى يطالب بايدن بوقف دعم إسرائيل عسكريا بسبب تقيد مساعدات غزة    رئيس الوزراء يتابع عدداً من ملفات عمل صندوق مصر السيادي    نسرين طافش تستمتع بالطبيعة في أحدث ظهور لها    إيرادات الأحد.. "فاصل من اللحظات اللذيذة" الثالث و"تاني تاني" بالمركز الخامس    مي عمر عن علاقتها بحماتها :«أمي التانية وفي المشاكل بتقف معايا» (فيديو)    إصابة 3 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالإسماعيلية    بعد تتويجه مع الأهلي بدوري أبطال أفريقيا 4 مرات.. تكريم ديانج في مالي (فيديو)    قبل عقد قرانه على جميلة عوض.. 9 معلومات عن المونتير أحمد حافظ    ثقافة الإسكندرية تقدم عرض قميص السعادة ضمن عروض مسرح الطفل    عضو "الفتوى الإلكترونية" ل قناة الناس: هذا وقت استجابة الدعاء يوم عرفة    الكشف على 417 شخصاً بالقافلة الطبية بمركز شباب الهيش بالإسماعيلية    رئيس «الرقابة والاعتماد» يشارك في افتتاح مؤتمر ومعرض صحة أفريقيا 2024    جولة لرئيس جامعة القاهرة للاطمئنان على سير الامتحانات وأعمال الكنترولات    قائد القوات الجوية يلتقى قائد القوات الجوية والدفاع الجوى لوزارة دفاع صربيا    وظائف متاحة للمعلمين في المدارس المصرية اليابانية.. رابط التقديم    تعديل تركيب بعض القطارات بخط «القاهرة- الإسماعيلية».. السبت    البابا تواضروس يستقبل السفير التركي    وزير الأوقاف يوصي حجاج بيت الله بكثرة الدعاء لمصر    إضافة «الطب البشري» لجامعة حلوان الأهلية    سلوت لا يمانع بيع صلاح    8 وجبات تساعد الطلاب علي التركيز في امتحانات الثانوية العامة    متى تذهب لإجراء فحوصات تشخيص مرض السكر؟.. «الصحة» تُجيب    مثلها الأعلى مجدي يعقوب.. «نورهان» الأولى على الإعدادية ببني سويف: «نفسي أدخل الطب»    موسكو تهدد واشنطن بعواقب الأضرار التي لحقت بنظام الإنذار المبكر    "التابعى.. أمير الصحافة".. على شاشة "الوثائقية" قريبًا    سُنن صلاة عيد الأضحى.. «الإفتاء» توضح    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية في سريلانكا إلى 12 شخصًا    مجموعة "إي اف جي" القابضة تعتزم شراء 4.5 مليون سهم خزينة    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    محافظ المنوفية: تحرير 94 محضر انتاج خبز غير مطابق للمواصفات لمخابز بلدية    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    دعم منظومة النظافة في مركز بيلا بمكنسة أتربة إلكترونية (صور)    هل يجوز للمُضحي حلاقة الشعر وتقليم الأظافر قبل العيد؟.. معلومات مهمة قبل عيد الأضحى    شكري: مصر تستضيف المؤتمر الاقتصادي المصري الأوروبي نهاية الشهر الجاري    تحرك من الزمالك للمطالبة بحق رعاية إمام عاشور من الأهلي    رسومات الأحياء المقررة على الصف الثالث الثانوي.. «راجع قبل الامتحان»    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الشك المنهجى» وتأسيس عصر دينى جديد (6)
نشر في الوطن يوم 12 - 04 - 2015

لا تكمن عظمة دعوة إبراهيم فقط فى العقائد التى آمنت بها ودعت إليها، إنما أيضاً فى منهج إحكام قيادة العقل وطريقة البحث عن الحقيقة.
كيف؟
من أكثر الأمور الجاذبة لى فى إبراهيم (عليه السلام) أنه صاحب عقل منضبط، لا يؤمن إلا بدليل من الوقائع الخارجية التجريبية، مثل حالة: «.. خُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً» (البقرة: 260)، أو بدليل من الاستدلال العقلى المسنود بالتدبر فى الظواهر الكونية: «وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» (الأنعام: 75)، أو بحجة عقلية خالصة: (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (الأنبياء: 66 - 67).
أضف إلى ذلك قدرته على إبطال مغالطات أصحاب العقول العنكبوتية (ومثلهم كثير فى عصرنا)، من أقصر طريق وفى كلمات قليلة. وهذا نجده، علاوة على ما سبق من حججه ضد قومه، فى ذلك النقاش الذى دار بينه وبين ذلك الملك الواهم:
«ألَمْ تَرَ إِلَى الَّذِى حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِى رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّى الَّذِى يُحْيِى وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِى وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِى بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِى كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (البقرة: 258).
انظر مرة أخرى إلى الفرق بين طرق الحِجاج التى يوظفها إبراهيم ضد المغالطين، وطرق الحجاج التى ينتهجها المتحدثون زوراً باسم الحقيقة الإلهية فى عصرنا، انظر كيف يُعمل إبراهيم أدوات ومناهج الاستدلال العقلى والتجريبى، وكيف يُعمل الواهمون فى عصرنا أدوات ومناهج النقل غير الدقيق والحفظ والتسليم المطلق بأقوال السادة قادة «الحقيقة المطلقة»!
لقد رفض إبراهيم النقل والتقليد وهو فى ريعان الشباب، وحاج قومه حجاجاً عقلياً خالصاً، بينما ردوا عليه بحجاج نقلى موروث، إبراهيم يستند إلى البرهان العقلى وهم يستندون إلى البرهان النقلى، انظر قصته مرة أخرى من «كادر» مختلف يلتقطه القصص القرآنى: «إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِى أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ. قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ. قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِى ضَلَالٍ مُبِينٍ. قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ. قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِى فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ. فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ. قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قَالُوا سَمِعْنَا فَتى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ. قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ. فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ. ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ. قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (الأنبياء: 52 - 67).
وهكذا فإن «منهج» أبى الأنبياء منهج منضبط. ومن أسف فإن الكثيرين يخلطون بين المنهج والمذهب، أو بين المنهج والعقيدة، ويقع فى هذا عدد غير قليل من العلماء والمفكرين أنفسهم! لذا لا بد أن نحدد المعنى الذى نقصده بالمنهج Method. المنهج عبارة عن «مجموعة من القواعد والفرضيات والإجراءات والأمثلة لتحديد مدى وحدود الموضوع وإنشاء طرق مقبولة للعمل ضمن هذه الحدود للوصول إلى الحقيقة truth»، أو بعبارة أبسط: «المنهج هو الطريقة التى نسير عليها وفق قواعد ومعايير للانتقال من المجهول إلى المعلوم ومن الشك إلى المعرفة». يقول ديكارت: إن ما أقصده بكلمة «المنهج» هو تلك القواعد التى يُعَوَّل عليها ويسهل تطبيقها، وأنه فى حال اتباع هذه القواعد بواسطة الفرد على نحو صحيح، فإن الفرد لن يقبل ما هو زائف على أنه صحيح، ولن يبدد جهوده الذهنية، بل سينجح فى زيادة معارفه تدريجياً وباستمرار حتى يصل إلى فهم صحيح لكل شىء فى نطاق قدرته.
فالمنهج ببساطة هو الوسيلة، هو الطريقة، هو الخطوات التى يجب أن يتبعها التفكير، هو القواعد التى يجب اتباعها للوصول إلى نتيجة صحيحة. إنه أسلوب الاستدلال، هو السنارة وليس السمكة، بل هو أكثر من السنارة هو الفن أو الطريقة التى تستخدم بها السنارة. ليس هو الطعام الجاهز الذى تأكله، ولا المواد التى صنع منها الطعام، لكنه «طريقة» الصنع نفسها. ليس هو السيارة، لكنه فن القيادة. معك سيارة رائعة ومع صديقك سيارة رائعة أيضاً، أنت تقود بفن وقواعد وخريطة سليمة للطريق فى ذهنك فتصل إلى هدفك، وصديقك يقود برعونة أو بخريطة أو قواعد خاطئة فيضل الطريق!
والخلاصة إذا أردنا أن نوصّف «منهج» أبى الأنبياء نجده قائماً على شك منهجى فى البداية، ثم استدلال عقلى محكم مستند إلى ظواهر كونية تارة، ومستند إلى دليل من (وقائع تجريبية) تارة أخرى، ومستند إلى حجة عقلية برهانية تارة ثالثة، وفى كل مرة الوحى حاضر مثل الضوء الذى ينير الطريق أمام العقل والحواس والبصيرة. لكل هذا لن ندخل عصراً دينياً جديداً بدون إصلاح مناهج التفكير لإحكام قيادة العقل نحو الصواب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.