العبد لله من أبناء وسط المدينة، عشت وتربيت بها قرابة ربع قرن من الزمان، وما زال منزل العائلة فى شارع شريف موجوداً يحمل اسم الوالد الراحل رحمة الله عليه. وكثيراً ما يشدنى الحنين إلى مقهى ريش أو أتيليه القاهرة، أو شاورما الإكسلسيور أو بسبوسة قويدر أو رغيف الحواوشى. كل بقعة من أرصفة وسط المدينة كانت لى فيها ذكرى. هنا أول لقاء مع حبيبة. هنا مدبولى وعشقى للكتب والصحف القديمة. كان أجمل ما يميز وسط المدينة، وبالذات ميدان التوفيقية الشهير، هو أنه مثل شارع برودواى يعمل 24 ساعة فى اليوم، سبعة أيام فى الأسبوع، 365 يوماً فى السنة. ومن سوق الخضار والفاكهة فى التوفيقية إلى محل فطير الدارالبيضاء، إلى مقهى اليان أو بتى سويس إلى الشيمى الكبابجى مروراً بسندوتشات عيد وصولاً لرغيف عتاش وصولاً إلى طواجن النجاح، إلى 4 «مقاهى» تلتف حول المنطقة، كل هؤلاء يعملون ويُرزقون منذ العشاء حتى مطلع الفجر. حينما كنا نحن «وطاويط» الليل لا نجد مكاناً يؤوينا أو مكاناً يجمعنا كانت ميادين مثل التوفيقية أو محطة مصر أو العباسية أو دوران شبرا هى التى تحتضننا بحب وكرم، لأنها أماكن لم تعرف النوم أكثر من نصف قرن من الزمان. هناك محال تعمل 3 ورديات متتالية منذ نصف قرن ولا يوجد لها أبواب أو متاريس لأنها لا تعرف معنى الغلق. بالأمس، ذهبت إلى التوفيقية وجلست على بوابة محل عيد للسندوتشات والتف حولى أصحاب المحال والزبائن والعمال يشكون من الآثار الضارة والكارثية عليهم جراء قرار إغلاق المحلات من العاشرة مساء. قالوا لى: 1- كل محل يشغل على الأقل من 10 إلى 20 شخصاً يعملون «كوظيفة ثابتة» مسائية يدعمون بها وظيفتهم الصباحية التى لا تكاد تكفيهم خبزهم اليومى. 2- طلاب يعتمدون فى عملهم المسائى على استكمال دراستهم. 3- أصحاب محلات يعتمدون فى 75٪ من دخلهم على فترة السهر. 4- كيف ستكون القاهرة المظلمة أمام السياح وهى مغلقة من العاشرة مساء، أين سيذهب السائح المحترم الذى لن يجد أمامه سوى الكباريهات والمراقص لأنها الوحيدة التى تملك ترخيصاً سياحياً؟. 5- سألونى: كيف ستضمن الدولة تطبيق القانونى على آلاف المنشآت، ومن أين ستأتى الداخلية بكل هذه القوات؟ 6- سألونى أيضاً: هل هذا هو الوقت المناسب الذى نضع فيه الداخلية مرة أخرى فى مواجهة المواطنين؟ 7- سألونى: إذا كانت القصة هى توفير الطاقة، فلماذا لا يفرضون علينا رسوم كهرباء إضافية بسعر عال على التشغيل الليلى؟ سمعت الأسئلة ولم أجد الإجابات وحزنت على وسط مدينتى المهدد بالإظلام والغضب!