أقسم أن يصلح أخطاء الماضى بالأفعال لا الأقوال.. هكذا تحرك الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أزمات كثيرة تواجهها مصر، وفى مقدمتها ملف سد النهضة الإثيوبى، الذى تسبب الشروع فى بنائه فى أزمة دولية بين مصر والسودان وإثيوبيا. ترقبنا جميعاً زيارات الرئيس إلى السودان وإثيوبيا، وتساءل الشعب: فيما يفكر الرئيس؟!! وما الهدف من الزيارة؟!! وما النتيجة؟!! والإنجاز الذى سيحققه؟!! وتوقع الكثيرون أن يلجأ الرئيس إلى حلول سياسية وسطية لإنهاء الأزمة بعد أن انتهت إثيوبيا من بناء جزء كبير من سد النهضة. وفوجئ الجميع بالتوقيع على إعلان مبادئ سد النهضة الإثيوبى التى أربكت الجميع، فالمؤيدون بحثوا عن فوائدها ليطمئنوا على مستقبل مصر المائى، والمعارضون تخوفوا منها وحذروا من أن تتسبب فى إهدار حقوق مصر فى نهر النيل.. ولكن اتفق الجميع على أنها خطوة نحو الطريق الصحيح بعد الأزمات التى شهدتها العلاقات بين مصر ودول أفريقيا. الرئيس السيسى تحدث بلغة «من حقكم أن تتطلعوا للتنمية ومن حقنا أن نحافظ على حصتنا فى المياه والحياة»، ومن هنا ظهرت أرضية وسط للتعاون المشترك بعد أن واجهت عراقيل وأزمات كادت تفتك بالعلاقات المشتركة. فبعد ثورة 25 يناير ووصولاً لتولى الإخوانى محمد مرسى الرئاسة، تدهورت العلاقات، ولا يمكن أن ننسى المشهد الكوميدى الذى حدث فى اجتماع الرئيس السابق مرسى وعدد من رؤساء الأحزاب حينما تحدثوا عن تهديد إثيوبيا، ودعا البعض للتلويح باستخدام التدخل العسكرى، ثم فوجئ الجميع بأن اللقاء تم بثه على الهواء مباشرة، وكان مشهداً يعبر بلا شك عن كوميديا سوداء تضر بالأمن القومى. ولا شك أن الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك تعامل بمنطق خاطئ مع الأزمة باستخدام المسكنات، دون البحث عن حلول جذرية لها الأمر الذى تسبب فى مزيد من الاحتقان المكتوم الذى انفجر فى وجه الدولة عقب رحيله عن السلطة بثورة 25 يناير. الاتفاق على مبادئ سد النهضة تم فى صمت وهذا سر نجاحها، فالرئيس عوّدنا على أن يعلن الإنجاز بعد الانتهاء منه، وبالربط بين هذا وبين ما قاله رئيس الوزراء الإثيوبى ديسالين خلال القمة الاقتصادية المصرية فى عبارته: «نعلم أيها الرئيس أننا يجب أن نسبح معاً».. يمكننا القول إن العلاقات المصرية الأفريقية عادت لمجاريها. نعم، نجحت يا رئيس مصر فيما فشل فيه غيرك وسط التشكيك الإخوانى والأجنبى. المفاوضات السياسية كانت مفتاحك نحو حل الأزمة ورفعت شعار التفاوض والتعايش. ولا شك أن إعلان المبادئ الذى وقّعته الدول الثلاث بالخرطوم ساهم فى بناء جسور الثقة والتفاهم بين الدولتين والشعبين المصرى والإثيوبى، وحديث رئيس الوزراء الإثيوبى يعد أكبر دليل على عودة العلاقات إلى قوتها من أجل شريان الحياة الذى يجمع بينهما. وننتظر الخطوة الأخيرة لقطع الطريق أمام المشككين وننتظر تشكيل لجنة وزارية تعمل تحت الإشراف المباشر للرئيس السيسى، ورئيس الوزراء الإثيوبى لبحث تفاصيل اتفاق إعلان المبادئ للتوصل إلى اتفاقيات تفصيلية حول كافة الموضوعات التى تضمنها. لا ينكر أى منا دور القوة الناعمة بجانب الرسمية، ونذكر هنا دور الكنيسة الإثيوبية وعلاقتها التاريخية بالكنيسة القبطية المصرية.. ننتظر مزيداً من المشروعات التنموية المشتركة بما يحقق الصالح العام لدول نهر النيل فى مجال الكهرباء والزراعة وغيرها.. شكراً لك سيادة الرئيس وكل من عاونك.. وكافة الدول الأفريقية.. وتحيا مصر ودول القارة السوداء.