هذا ليس مؤتمراً اقتصادياً: مَن حضر.. مَن دفع وكم ملياراً دخلت خزائن مصر.. كم مشروعاً ينتظر إشارة البدء.. مَن تحدث وماذا قال.. مَن سكت ولماذا؟. هذا ليس مؤتمراً، بل إرهاصاً ب«ثورة مصرية حقيقية». ترفع فيها مصر نصاً - لا شعاراً - من كتابها المقدس: «يد تبنى.. ويد تحمل السلاح». هذه «ثورة تصحيح» لكل المفاهيم.. لكل أساليب الإدارة التى أوصلت مصر إلى تلك الحالة المزرية، وأوقفتها على حافة انهيار. هذه ثورة.. حتى على مفهوم «الثورة» نفسه. وقد أصبح مرادفاً للفوضى والخراب والخيانات الصغيرة والكبيرة. لمن الفضل اليوم؟.. للشعب الذى ملأ الشوارع والميادين فى 30 يونيو.. للجيش الذى حمى إرادة الملايين وفرضها على كل أطراف المؤامرة.. ول«عبدالفتاح السيسى»، عريس هذا المؤتمر. أنا فخور بهذا الرجل. فخور بأننى أحببته، وراهنت عليه، وكل جرام كراهية للإخوان أعدته إليه قنطار محبة. فخور بأننى كنت وما زلت وسأظل «فاشياً» فى حبه، وفى قمع وإهانة كل الذين تجرأوا عليه وأساءوا فهمه. فخور بأننى تحملت فى سبيله إهانات كلاب الإخوان ومرتزقة 25 يناير: وكنت أتلقى كل ذلك مبتسماً، معانداً: «أعلى ما فى خيلكم اركبوه». فأنا لست أفضل من الذين استشهدوا دفاعاً عن كبرياء هذا البلد وهيبته، وكان شعارى دائماً: «اللى أوله مصر.. آخره سيسى». هذا ليس مجرد مؤتمر، ليس طاولة صفقات، و«أحرف أولى». ليس قمحاً ووقوداً وأسفلتاً ومدناً جديدة. ليس ذلك فقط، بل حزمة رسائل سياسية، تشق فضاءً كونياً تعقدت فيه المصالح والحسابات، وأصبحت مصر -أو كادت تصبح- صفراً على الشمال فى معادلته!. هذا ليس مؤتمراً والسلام. إنه استفتاء على «أهمية مصر: عربياً وأفريقياً.. دولياً وإقليمياً». ما الذى أغرى هذا العدد الهائل من المستثمرين ورفع سقف طموحهم إلى الحد الذى تجاوز توقعات المصريين قيادةً وحكومةً وشعباً؟. ما الذى جعل الخليج والغرب يراهنان على مصر بكل هذه المليارات؟. ما الذى أتى بالولايات المتحدة، وهى حاضنة الإرهاب وراعيته؟. ما الذى جعل رؤساء ومسئولين أفارقة يهرولون هكذا، رغم أن بلادهم أشد بؤساً واحتياجاً من مصر؟. ظاهر الأمر يقول إنه «جوع» مصر إلى الاستثمار، وإصرار قيادتها السياسية على إعادة بنائها بشروط عالم جديد، تلهث فيه السياسة وراء عجلة البيزنس. لكن الحقيقة أن هذا العالم يحتاج الآن إلى مصر أكثر مما تحتاج إليه، والدوافع التى جعلت أشرار هذا العالم يخترعون جيلاً رابعاً من الحروب، ويعيثون فى دول المنطقة حرقاً وتدميراً وتفكيكاً، خلقت لديهم -فيما يبدو- وعياً مفاجئاً بأهمية أن تظل مصر آمنة، متماسكة، وأن تنهض وتستعيد هيبتها ونفوذها. مصر فى حاجة إليهم: ساومتهم فى الوقت والتكلفة وهامش الربح وتسهيلات سداد الديون، واستجابوا عن طيب خاطر. هذا ليس سفهاً منهم ولا تفريطاً فى شروطهم، بل لأنهم أدركوا فجأة أن مصر بلد يستحق. مصر تستنجد بهم، لكن لسان حالها يقول: أمانكم فى أمنى. أنتم الذين وسّعتم حدود مسئوليتى لتشملكم، وأنا قادرة ومستعدة. أنتم الذين «حضّرتم العفريت».. وأنا الذى «سأصرفه». لمن الفضل اليوم؟.. ل«عبدالفتاح السيسى». كان الخبثاء والمتنطعون والمتربصون يقولون: أصله بتاع جيش.. أصله معندوش رؤية.. أصله حيبقى ديكتاتور.. أصله مؤدب وعنده أخلاق.. أصل البلد «بتتسرب» منه.. أصل لا هو قدها ولا هى قد الدنيا. وها هو يفاجئهم ويشعل مصر فرحاً وتفاؤلاً: «اللى أوله مصر.. آخره سيسى». هل نجح المؤتمر؟. نجح قبل أن يبدأ. نجح رغم شلال الدموع وسُحُب الحزن التى تلاحق مواكب شهداء الجيش والشرطة منذ نحو عشرين شهراً. نجح رغم أنف عصابة الإخوان وكيدها وقنابلها ومؤامراتها. نجح رغم الخطف والذبح ولقمة العيش المغمّسة بدماء الأبرياء. نجح رغم تخبط الحكومة وسخط المواطن وهرتلة الإعلام وتهافت السياسيين وخيبة الأمل فى رجال الأعمال ومناخ اليأس والإحباط الذى أشاعه العملاء وتجار الثورات. هل نجح المؤتمر؟. كان لا بد أن ينجح، لأن مصر تعبت ودفعت فيه ثمناً باهظاً، ولأن رئيسها - «اللى ما عندوش رؤية!» - قرر أن يكون «بناء مصر» سلاحه الحاسم فى حربها ضد الإرهاب. هذا أول رئيس لمصر «يبنى» ليحارب، وكانت مصر فى كل حروبها تتقشف وتربط حجراً حول بطنها وتدهن زجاج شبابيكها بالأزرق وتنام من المغرب وتصحو على مارشات عسكرية وقرآن. لمن الفضل اليوم؟. ل«عبدالفتاح السيسى». هذا «ثأر» السيسى لشهداء مصر، وتلك أقصر الطرق وأنجحها ليكسب معركة مصر فى حروب الجيل الرابع. هل نجح المؤتمر؟. بل تجاوز توقعات المصريين، حتى إنهم يستغربون أنفسهم، وأنا أستغرب استغرابهم: الشعب الذى ينجب رجلاً مثل «عبدالفتاح السيسى» يستحق أن تأتى إليه الدنيا وتقول ممتنة: «شبيك لبيك». هل أنا «مطبلاتى»؟. نعم، لأن السيسى يستحق. فسبحان الذى أنقذ مصر من «فردة شبشب» كان يحكمها، ومَنَّ عليها برجل يصل الليل بالنهار ليستيقظ المصريون وعلى وجوههم ابتسامة أمل وتفاؤل. هل أرفع بكلامى عن المؤتمر سقف التوقعات؟. نعم، لأن المصريين يستحقون قدراً من المبالغة، بعد أن بولغ فى قتلهم وإرهابهم وإبكائهم وإفساد فطرتهم. ثلاثة أيام ونحن نبكى فرحاً يا سيادة الرئيس، فعلام نشكرك؟. ثلاثة أيام ونحن فى ذهول: إن لم يكن لنجاح المؤتمر -وقد نجح من قبل ومن بعد- فلأنك أعدت إلينا بلدنا وأعدتنا إليه: «مصر تستيقظ».