هل سألت نفسك يوماً: لماذا لا يقدم أغلبنا على الاعتذار؟ لماذا نفعل كل شىء، وأى شىء حتى لا نقول هذه الكلمات البسيطة: «آسف»، أو «سامحنى»، أو «أعتذر لك»؟ لماذا نسعى لإيجاد الأسباب أو اختلاقها حتى نرفع عن أنفسنا الحرج من أن نقولها؟ بل منا أيضاً من يجعل نفسه محقاً فى النهاية بناءً على هذه الأسباب. الحقيقة، أنا أيضاً سألت نفسى ذات السؤال هذا الصباح، فقد كنت أتمشى قليلاً فى أحد المتنزهات العامة انتظاراً لإنهاء إحدى معاملاتى الحكومية، ولفت انتباهى أن أسقط أحد الأشخاص فى أثناء ممارسته لرياضة الجرى أحد الأطفال فى طريقه، فوقف يعتذر له أمام باقى الأطفال ويرجوه أن يقبل اعتذاره. تأملت الموقف وسألت نفسى: هل تربّينا نحن أيضاً على الاعتراف بالخطأ وتقديم الاعتذار أياً كان الفرق فى السنّ أو الوضع الاجتماعى أو المادى؟ نعم، أعلم جيداً أن الخطأ صفة إنسانية طبيعية وواقعية جداً، وجميعنا يخطئ ولكن بنسب متفاوتة، وإن لم نفعل هذه الأخطاء أو نرَها فلن نتعلَّم شيئاً، فقراراتنا الصحيحة حتماً تعلمناها من قراراتنا الخاطئة. يا صديقى الطيِّب، أعتقد أن الإجابة عن هذا السؤال الذى طرحته عليك تكمن فى سببين: السبب الأول: هو أننا لم نتعلم ثقافة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه، فغالباً ما يتم التعامل معنا منذ صغرنا على أن الخطأ ليس منا وأنه من الطرف الآخر أياً كان، حتى إن كان جماداً! سأعطيك مثالاً: هل رأيت مثلى طفلاً يقع فى أثناء لعبه فتهرول إليه الأم أو الأب ليهدئه، ويضرب الأرض ويقول: «كم أنتِ سيئة، لقد أوجعتِ ولدى»، وكأن الأرض هى التى أخطأت، لا الابن الذى لم ينتبه فى أثناء لعبه؟! الحقيقة أيضاً أن هذه الصورة تتكرر أمامنا من مكان إلى آخر ومن عمر إلى آخر حتى تعوّدنا أن نلصق الخطأ والجرم أيضاً بالطرف الآخر، وسأعطيك دليلاً إن أردت: هل وقفت حكماً بين شخصين متنازعين؟ غالباً يا عزيزى ستجد كلاًّ منهما يحكى لك الأمر من وجهة نظره التى تجعله هو الملاك الذى لم يخطئ قَطّ وأن الطرف الآخر هو صاحب الجرم بلا منازع.. هل تصدق هذا حقاً؟ هو فقط لا يريد أن يقع عليه الحق لتقديم الاعتذار وما يستتبعه من واجبات سيقدمها للطرف الآخر حال اعترافه به، ولهذا يرويها هكذا، وهذا ليس عدلاً بكل تأكيد. أما السبب الآخر فهو ببساطة أننا غالباً ما نخاف من رد فعل الطرف الآخر، ونسأل أنفسنا ألف مرة: هل إن اعترفنا بخطئنا سيتقبله؟ هل سيعفو ويسامح أم سنمنحه الفرصة للتشفى والتأنيب وإنزال العقاب أيضاً إن لزم الأمر؟ معك كل الحق، فهذه هى المعادلة التى تربط اعتذارنا بالطرف الآخر، فغالباً ما نرى أننا كلما رفعنا من درجة التأنيب والعقاب فلن يكرر هذا الشخص خطأه مرة أخرى، ومنا أيضاً من يرى نفسه فى موقف قوة فلا يفكر فى شىء سوى إرضاء غروره. يا عزيزى، ألم يشبع غرورك ويُرْضِك مجيئه إليك معتذراً؟ ألم تفكر ولو للحظة فيما مر به ليتصالح مع نفسه ويعترف بخطئه ويجيئك الآن ليعتذر لك؟ أم أنك لم تفكر ولو للحظة فى أخطائك أنت أيضاً وأنك حتماً مررت أو ستمر بمثل هذا الموقف؟ تَفَكَّر إذن الآن، وعُد إلى ذلك الشخص الذى أتاك معتذراً وأغلقت الباب أمامه. افتحه من جديد، فهو يستحق عفوك ما دمت واثقاً من ندمه على ما فعل. يا صديقى الطيِّب: كن على يقين أنك لن تجد هذا الذى لن يخطئ أبداً، فهو ليس موجوداً. نعم، أنت يمكنك أن تجد هذا الذى يقوّم نفسه ويتعلّم من أخطائه، فلا تضيّعه منك، فمثله يستحق الاحتفاظ به. وأياً كان الطرف الذى أنت فيه الآن، سواء كنت مخطئاً أو صاحب حق، قبل أن تقوم بردّ فعل، اخلع غرورك أوّلاً.. ويكفيك أنك تعلمت تجربة جديدة، وقم بالخطوة التالية بلا تردد، اعتذر.. ففى الاعتراف بالحق تكمن القوة، وتقبَّل الاعتذار، ففى العفو عِزٌ لو تعلمون عظيم.