يوماً بعد يوم تتكشف حقيقة المخطط الأمريكى الذى يستهدف المنطقة العربية بهدف تفتيتها والسيطرة عليها لحساب مشروع الشرق الأوسط الجديد. ومع نهاية الأسبوع الماضى طالب وزير الدفاع الأمريكى «أشتون كارتر»، خلال جلسة الاستماع التى عقدتها لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى، بتفويض من الكونجرس يتيح للقوات الأمريكية محاربة إرهاب تنظيم داعش خارج سورياوالعراق، لمدة ثلاث سنوات ودون قيود جغرافية. وطالب الوزير الأمريكى، خلال الجلسة التى جمعته مع وزير الخارجية الأمريكى «جون كيرى» ورئيس هيئة الأركان الجنرال «مارتن ديمبسى»، بتفويض يتيح للطائرات الأمريكية استهداف تنظيم داعش خارج سورياوالعراق، مبرراً ذلك بتوسع التنظيم الإرهابى فى مناطق أخرى فى الشرق الأوسط غير سورياوالعراق. لم يكن حديث أشتون كارتر هو الأول من نوعه الذى يكشف عن أبعاد هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، بل إن الرئيس باراك أوباما كان قد أرسل للكونجرس الأمريكى منذ فترة مشروع قرار يقضى بتمديد الحرب على تنظيم داعش لمدة 3 سنوات دون وضع قيود جغرافية على الضربات الجوية والتدخل العسكرى للقوات الجوية فى العديد من البلدان ومنها ليبيا واليمن وشبه جزيرة سيناء. لقد كان الخبر صادماً، لأنه يعنى بصراحة أن ما يجرى هو مؤامرة مكشوفة تستهدف واشنطن من خلالها السيطرة على الوطن العربى وتوجيه الضربات العسكرية إلى الجيوش والمؤسسات فى هذه البلدان لأهداف تتعلق بمصالح إسرائيل وأمريكا فى المنطقة. لقد أوضحت مجلة «ذا ناشيونال» الأمريكية أن مصر، وبعد إعلان تنظيم أنصار بيت المقدس ولاءه لتنظيم داعش، أصبحت ضمن الدول التى يحق للرئيس الأمريكى استخدام القوة العسكرية فيها وفقاً لتفويض الكونجرس، حيث أوضحت المجلة أن الخريطة الجديدة تشمل، إلى جانب مصر، دولاً أخرى من بينها السعودية والأردن ولبنان وتونس والجزائر وأفغانستان وغيرها. وأشارت المجلة -وكدليل على المخطط- إلى أن واشنطن لن توجه أى ضربات عسكرية ضد إسرائيل أو تركيا أو قطر لأنها خالية من عناصر هذا التنظيم على حد وصفها!! أما المتحدث باسم البيت الأبيض فقد ساق هو الآخر مبررات غير موضوعية عندما قال: «إن تفويض الكونجرس للرئيس باستخدام القوة العسكرية ضد أهداف داعش فى سورياوالعراق فقط سيعطى فرصة لعناصر التنظيم كى ينتقلوا إلى بعض البلاد المجاورة وسيكونون فى ملاذ آمن وخارج نطاق القدرة العسكرية للولايات المتحدة»، لذا طلب أوباما استخدام القوة فى أى دولة يوجد بها تنظيم داعش. أما جون كيرى، وزير الخارجية الأمريكية، فقد كان أكثر وضوحاً عندما قال فى شهادته أمام الكونجرس: إن أى تفويض جديد يجب ألّا يحدد العمل العسكرى فى العراقوسوريا فقط أو يمنع الرئيس الأمريكى من نشر قوات برية إذا رأى ضرورة لذلك فى فترة لاحقة لضرب التنظيم المتشدد فى أى مكان يوجد به. أما السيناتور راند بول -المرشح الجمهورى المحتمل لرئاسة الولاياتالمتحدة- فقد كان الأشد صراحة عندما قال: «إن طلب أوباما الحصول على ترخيص باستخدام القوة العسكرية يسمح لواشنطن بقصف أى مدينة فى الشرقة الأوسط بما فيها مكةالمكرمة والمدينة المنورة»، معترضاً على توسيع رقعة الحرب. وقال إن هذه رسالة خاطئة ومخيفة جداً يتم إرسالها للشرق الأوسط! وأمام حالة القلق التى اعترت العديد من أعضاء الكونجرس من الحزبين الديمقراطى والجمهورى أكد الرئيس باراك أوباما فى النصف الأول من شهر فبراير الماضى أن طلب التفويض من الكونجرس لمواصلة العمليات العسكرية ضد «داعش» لا يعنى أى غزو على غرار ما حصل فى العراقوأفغانستان. وقال أوباما عقب تقديمه مشروع قرار التفويض للكونجرس: «إن المشروع لا يسمح بتدخل برى جديد على نطاق واسع فى الشرق الأوسط»، لكنه أكد أنه لن يتردد فى نشر قوات خاصة ضد «تنظيم الدولة» إذا اقتضت الضرورة. ووصف أوباما المهمة بأنها صعبة وقد تستغرق بعض الوقت، لكنه أكد أن التحالف فى حالة هجوم، وأن التنظيم سيُهزم موضحاً أن التحالف نفذ حتى الآن أكثر من ألفى غارة جوية ضد التنظيم. وإذا كان وزير الخارجية -جون كيرى- قد حث فى جلسة الأربعاء 11 مارس الماضى أعضاء الكونجرس على التصويت الجماعى لصالح مشروع القانون الذى تقدم به الرئيس الأمريكى أوباما لمدة ثلاث سنوات فإن وزير الدفاع أشتون كارتر قد قال أمام أعضاء الكونجرس بشكل واضح وصريح: لا أستطيع أن أقول لكم إن حملتنا لهزيمة «داعش» فى العراق والشام ستنتهى خلال ثلاث سنوات، ولكن إضافة بند حول المدة يمنح الرئيس المقبل والشعب الأمريكى الفرصة لتقييم تقدمنا بعد انتهاء الفترة المحددة. وهكذا يبدو أن طرح أوباما مدة ثلاث سنوات لهذا التفويض هو مجرد محاولة لتمرير القرار، مما دفع البعض لأن يستدعى مقولة أوباما السابقة عندما قال «إن مهمتنا القتالية فى أفغانستان انتهت»، ولكن قبل شهرين فقط، قام بتمديد مهمة الجنود الأمريكيين الذين يبلغ عددهم عشرة آلاف فى أفغانستان لمدة سنة على الأقل، وهو ما دعا النائب الديمقراطى عن كاليفورنيا «آدم شيف» إلى القول: «إن ما يقصدونه بقى فضفاضاً وعرضة للتأويل، ومن الممكن استعماله فى أى سياق كان». ويبدو من سياق الأحداث أن الرئيس أوباما مصمم على قراره، إذ عندما تخوف من رفض الكونجرس أرفق ضمن المشروع رسالة مصاحبة تقول: «القوانين المعمول بها تمنحنى السلطة التى أحتاجها للقيام بهذه الأعمال ضد داعش»، وهو يقصد بذلك التفويض الذى سبق أن حصل عليه الرئيس السابق جورج دبليو بوش للقيام بحرب ضد تنظيم القاعدة فى العراقوأفغانستان وغيرها والذى أصدره الكونجرس الأمريكى فى 18 سبتمبر 2001 فى أعقاب أحداث الحادى عشر من سبتمبر على الفور والذى لا يزال العمل به سارياً حتى الآن. أما رئيس مجلس النواب الأمريكى «جون بينر» فقد أكد أنه وزملاءه الجمهوريين يريدون منح «القيادة العسكرية المرونة والصلاحية الكافيتين لهزيمة داعش أينما وُجد»، ولكنه قال: «إن السياسة الأمريكية بحاجة لصياغة استراتيجية عسكرية شاملة وتفويض متين لا يفرض قيوداً على الخيارات المتاحة».. مشيرًا إلى أنه ليس على يقين من أن استراتيجية أوباما المقدمة ستنجز المهمة، وقال «إن الرئيس الأمريكى يرمى إلى تفكيك تنظيم داعش وتدميره، لكننى لم أر خطة استراتيجية واضحة تبين أنه بالإمكان تحقيق ذلك». ويعارض بعض قادة وأعضاء الحزب الديمقراطى الأمريكى الذى ينتمى إليه الرئيس أوباما هذه الصيغة المقدمة على اعتبار أنها تمثل مشروعاً «فضفاضاً» ينطوى على عدة ثغرات قد تؤدى بالبلاد إلى الانزلاق إلى حروب شبيهة بالحرب على فيتنام. ويتخوف هؤلاء من أن الصيغة النهائية للمشروع قد لا تضع أى قيود أو اشتراطات على مغامرات عسكرية، بل تمهد الأجواء للمضىّ فى حروب مفتوحة، خاصة أن الصيغة الأولية هى تفويض الرئيس باستخدام قوات برية فى ظل ظروف محددة لمدة 3 سنوات بما فيها استخدام القوات الخاصة والقيام بعمليات إنقاذ. ويرى هؤلاء أن مشروع التفويض يخلو من أى قيود جغرافية تحد من رقعة الانتشار ضد أفراد أو قوات مرتبطة بتنظيم داعش، مما يعيد إلى الأذهان تفويض بوش بملاحقة كل من كانت له علاقة بهجمات 11 سبتمبر، كما أن مسودة المشروع التى تتعهد بعدم السماح «للقوات البرية بتنفيذ عمليات هجومية مستدامة» قد أثارت أيضاً قلق وحفيظة الكثيرين، خاصة أن هذا النص فضفاض ويجوز توظيفه حسبما يرى القادة العسكريون. وهكذا يبقى الجدل مستمراً داخل الولاياتالمتحدة وأوساط صناعة القرار داخل الإدارة والكونجرس الأمريكى، بينما العرب غائبون عن الفعل المواجه، خاصة أن المخطط يستهدف الجميع بلا استثناء والحجة هذه المرة هى داعش، داعش التى صنعوها وأرادوا اليوم توظيفها لتكون الحجة والأداة التى تجرى من خلالها السيطرة على المنطقة العربية والهيمنة عليها.