مشهد لا تغفل عنه الأعين يومًا.. أسطوانات فارغة على رؤوس نسوة "طحنهن" الفقر وبؤس الحال وانعدام الخدمات، وسرقة "قوتهن"، ورجال اصطفوا في طوابير امتدت على مرمى البصر فلفحت الشمس وجوههم صيفًا وأغرقتهم السماء مطرًا في الشتاء، رُضع على صدور أمهاتهن، وعجائز لم تحتملهن أرجلهن فارتكن إلى زاوية في الشارع إلى حين يأتي دورهن في الطابور.. الجميع في انتظار "أنبوبة". في مدينة الخصوص بمحافظة القليوبية، رصدت "الوطن" معاناة يومية يعيشها أهالي تلك المدينة من أجل الحصول على أنبوبة تساعدهم على قضاء حوائجهم من المأكل والمشرب.. ضيق الحال يدفعهم أحيانًا كثيرة إلى التشاجر فيما بينهم من أجل الحصول على أسطوانة، إلا أن مافيا السوق السوداء وجشع أصحاب المستودعات لا يرحم دموع رضيع ولا أنات عجوز. "مش راضيين يدوني أنبوبة".. قالتها إحدى المسنات أمام مستودع أنابيب في مدينة الخصوص بمحافظة القليوبية، عندما أغلق صاحب أحد مستودعات الأنابيب، الباب في وجهها، بوجه عابس وصوت خشن زاعق ردها خائبة بقوله: "مفيش أنابيب.. الحصة خلصت بسبب الزحمة". محمد حسن، صاحب أحد مستودعات الأنابيب في الخصوص قال: "الحكومة هي صاحبة الأزمة.. ولا توجد عمليات تهريب للأنابيب ولا يوجد بيع في السوق السوداء، وإن المشكلة التي تحدث أمام المستودعات بسبب نقص الحصة المقررة من الحكومة التي توزعها على المستودعات". وأضاف: "بالنسبة لي فلا يوجد هناك أي مشكلات سوى نقص حصة الأنابيب فقط، فلا توجد (سوق سوداء)، ولا حتى (مشاجرات)، دقائق لا تتعدى أصابع اليد على حديث "حسن"، ووقعت اشتباكات بين مواطنين في الطابور وتدخل هو بنفسه محاولًا احتوائها لحفظ ما تبقى من ماء وجهه، وقال مواطنون إنه يبيع الأسطوانة بأغلى من سعرها الرسمي. واستطاعت "الوطن" من خلال "كاميرا سرية"، الكشف عن أحد المستودعات التي يبيع صاحبها الأنابيب في السوق السوداء بأكثر من ثلاثين جنيهًا، وشوهدت السيارات التي تنقل الأنابيب من الأبواب الخلفية، لتوزيعها على "السرّيحة" الذين يبيعون الأسطوانات إلى المواطنين في المنازل بأسعار مضاعفة. بالحديث مع صاحب المستودع ومواجهته بامتلاكه مخزنًا لبيع الأنابيب في السوق السوداء، أنكر الاتهامات تمامًا، وقال إن مخزنه مخصص لبيع الأنابيب إلى المواطنين، وعندما طلبت "الوطن" منه فتح المخزن لإثبات صحة كلامه، رفض ذلك بشدة وهرب من الحديث. "الموضوع بيكون بالتربيط، بيننا وبين أصحاب المستودعات الذين يُخزّنون نصف حصة الأنابيب المخصصة من الحكومة"، بحسب أحد السريحة، "بعدها نبيع الأسطوانة إلى المواطنين ب (50 جنيهًا) ونحن نشتريها من المستودع ب (20 جنيهًا). معاناة يعيشها أهالي الخصوص يوميًا في انتظار أنبوبة بطابور طويل، يقول أحد المواطنين: "الأنبوبة تباع ب70 جنيه، إحنا تعبنا من العيشة كدة والله حرام". ويضيف آخر:" أصحاب المستودعات يبيعون الأنابيب لسيارات السوق السوداء أمام المواطنين ويقولوا لنا الأنابيب دي مش ليكوا". "إحنا كدة مش بنتعامل كبني آدمين ، إحنا بالنسبة ليهم حيوانات". يشكو مواطن أصحاب المستودعات، ويقول آخر: "إحنا محتاجين حملات التموين تكون بالليل، التهريب بيكون أكثر بكثير من الصبح". سيدة مسنة تروي مأساتها: "أنا مش عارفة أشتري أنبوبة، وصاحب المستودع قال لي مفيش الأنابيب خلصت".