وسائل إعلام تابعة ل«داعش» الإرهابى نشرت مجموعة من الصور توضح قيام التنظيم بتعليق جثث لجنود من الجيش العراقى على أبواب مدينة «الحويجة» شمال العراق. الأمر ليس جديداً، بل ارتبط بنظام الحكم القائم على مفهوم الخلافة فى العصر الأموى، ثم تواصل فى العصرين العباسى والعثمانى. كذلك فعل الحجاج بن يوسف الثقفى بعبدالله بن الزبير عندما حاصر -كما يحكى ابن كثير فى البداية والنهاية- مكةالمكرمة ونشر المنجنيق حولها، واعتمد الحجاج على أفراد من الحبشة، فجعلوا يرمون بالمنجنيق فقتلوا خلقاً كثيراً، وحبس عن أتباع «ابن الزبير» الطعام والماء فكانوا يشربون من ماء زمزم، وأخذت الحجارة تقع فى الكعبة والحجاج يصيح بأصحابه: يا أهل الشام، الله الله فى الطاعة! فكانوا يحملون على «ابن الزبير» فيشد عليهم وليس معه أحد حتى يُخرجهم، ثم يكرُّون عليه فيشد عليهم. فعل ذلك مراراً وقتل يومئذ جماعة منهم. وقيل لابن الزبير: ألا تكلمهم فى الصلح؟ فقال: والله لو وجدوكم فى جوف الكعبة لذبحوكم جميعاً، والله لا أسألهم صلحاً أبداً. ثم كان أن استسلم «ابن الزبير» ليتم قتله وصلبه وتعليق جثته! مشهد القتل والتعليق الذى تأتيه «داعش» اليوم له سوابق عديدة أيضاً فى العصر العباسى، ولعلك تعلم أن أبواب القاهرة كثيراً ما كانت ساحة يستخدمها المماليك فى تعليق رؤوس من يقتلون من خصومهم ليكونوا عبرة لمن يعتبر وكان له سمع وبصر! ولم تخلُ الخلافة العثمانية من مشاهدات من هذا النوع، وواقعة قتل وصلب وتعليق «طومان باى» على باب زويلة بعد هزيمته أمام السلطان العثمانى «سليم الأول» شهيرة ومعروفة. وبالمناسبة، فإن كتب التاريخ التى يدرسها طلاب المدارس لا تخلو من مثل هذه الحكايات، على الأقل حكاية تعليق جثة «طومان باى» على باب زويلة. وقد قدّر الله لهذه الأمة أن تُبتلى بهذه الممارسات بعد عصر الراشدين الأربعة، لكن المأساة أن من قاموا بها ومن يقلدونهم اليوم أرادوا ربط هذا الأمر بفكرة الخلافة التى ظهرت خلال فترة تاريخية معينة، وانتهت فعلياً باستشهاد على بن أبى طالب، ليبدأ فصل «المُلك» فى التاريخ الإسلامى على يد الأمويين ومن تلاهم. وقد كان مُلك هؤلاء قائماً فى جوهره على فكرة «تديين الاستبداد». وإذا أردت أن تفهم معنى عبارة «تديين الاستبداد» فيكفى أن تقرأ تلك الخطبة التى خطبها الحجاج بعد أن هاج الناس عليه بسبب قتله عبدالله بن الزبير وتعليق جثته وهدم الكعبة فوق رأسه ورأس شيعته. قال الحجاج: «أيها الناس، إن عبدالله بن الزبير كان من خيار هذه الأمة حتى رغب فى الخلافة ونازعها أهلها، وألحد فى الحرم، وإن آدم كان أكرم على الله من ابن الزبير، وكان فى الجنة وهى أشرف من مكة، فلما خالف أمر الله وأكل من الشجرة التى نُهى عنها، أخرجه الله من الجنة، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله». كذلك لسان المستبدين ب«الدين» فى كل زمان ومكان، قادر على قلب الحقائق، وإلباس الباطل ثوب الحق. فكل إنسان شريف كريم حتى إذا عارض أصحاب السيف والمنجنيق، فإنه يصبح حلال الدم!