تتعاقب علينا الأيام والليالى، ونستغرق فى هموم الحياة المادية حتى السآمة والملل، ويسيطر علينا التكرار والرتابة والروتين. نعلن عن سخطنا وضجرنا من هذه الحياة دون أن نجرؤ على الفكاك من تلك الدائرة التى أحاطت بنا. ماذا ننتظر يا ترى؟ هل ننتظر الموت ليخرجنا منها إجبارياً؟ لماذا لا نخرج منها طواعيةً؟ أمامنا فرصة تتكرر مرة واحدة كل عام فلماذا لا ننتهزها؟ يقول د.على شريعتى (مفكر إيرانى عارض شاه إيران وقتل فى لندن عام 1977 قبل ثورة الخمينى): «جاء الحج ليغير هذه الحياة السقيمة.. ما إن تهيئ ذهنك للحج؛ فإنك تنهض وتتحرك بعيداً عن أجوائك الرتيبة.. الحج مضاد لحياة اللامعنى واللاهدف.. أداء الحج خلاص من شباك الحيرة المعقدة.. سافر من دارك ووطنك لتزور بيت الله. إنك كإنسان من خلق الله وخليفته فى أرضه، خلقك من روحه، ولكنك مع مضى الوقت فى الحياة يعترى شخصيتك التغير، وفطرتك تصيبها الآفات.. . لقد انحدرت إلى درك الحمأ المسنون الذى كنت فيه قبل أن ينفخ الله فيك من روحه، فأين هى روح الله اليوم؟. انهض أيها الإنسان من هذه الأوضاع المزرية.. اخرج من أرضك، واذهب إلى الأرض المقدسة لتلقى الله تحت أديم السماء العامرة بالإلهام، المفعمة ببركات الوحى؛ سماء المشعر الحرام لتهزم الغربة التى تعانيها.. وأخيراً ستلقى نفسك. أنت هنا فى عرض رمزى، تؤدى فيه جميع الأدوار ولا اعتبار لكونك رجلاً أو امرأة.. شاباً أو شيخاً.. أبيض أو أسود.. إنها تجربة الاختيار بين الخير والشر، بين تلبية نداء الله أو الاستجابة لغواية الشيطان.. والجميع مدعو للمشاركة فى العرض كل عام دون تمييز. ولكن قبل أن يبدأ العرض، على الإنسان أن يخلع ثيابه ويستبدل بها قطعتين من قماش لأن ملابسه هى التى تعبّر عن أنماط حياته، وتميزه وتحدد طبقته ووجهة تفكيره، وهى التى تقيم الفواصل والحدود بين الناس.. الملابس تضخم مفهوم الأنا لأنها تأتى فى سياق يعبر عن العنصر أو الطبقة الاجتماعية، أو العشيرة أو المكانة، أو الأسرة، أو المقدرة، فتفرقنا إلى سادة وعبيد؛ مستكبرين ومستضعفين؛ مستغليِّن ومستغليَّن؛ أقوياء وضعفاء؛ أغنياء وفقراء. لذا عليك أن تخلع ثيابك عند الميقات، وترتدى الكفن.. اذهب إلى الموت قبل أن يأتيك.. ارتدِ ملابس الموت بنفسك قبل أن يلبسك إياها «المغسّلون».. انزع عنك كل قناع كنت ترتديه فى حياتك؛ قناع الذئب إن كنت طاغية متوحشاً، قناع الفأر إن كنت ماكراً، قناع الثعلب إن كنت مخادعاً، قناع الخروف إن كنت خانعاً. هنا يشهد الإنسان موته بنفسه.. وينظر فكأنه فى يوم الحساب.. تترك الروحُ الجسدَ وتندفع وحدها إلى الله.. هنا تفنى الذات، تُدفن كل الأنانية والخصاصة.. كل «أنا» تموت لتنشأ «نحن» ويصبح المجموع هو الأمة. هنا لا يكون الإنسان كما هو، بل كما ينبغى أن يكون.. هنا يكون الإنسان إنساناً.