سيظل مشهد ذبح 21 من المصريين على أيدى شيطان داعش فى ليبيا الأبشع فى ذاكرتنا الجمعية. فقد تجمعت فيه كل معانى الشقاء فى الحياة الدنيا، شباب من صعيد مصر سحقهم الفقر فى بلادهم، فرحلوا إلى بلاد بعيدة سعياً وراء لقمة العيش. فى أرض الغربة اختلط إحساس المغدورين بالإهدار، بإحساس الغربة والحنين إلى الآباء والأمهات والزوجات والأبناء، بإحساس الخوف من تلك المجازر التى تتفاعل من حولهم. وفى لحظة غادرة وجدوا أنفسهم فى قبضة الشيطان «الداعشى»، لا لشىء إلا لكونهم مسيحيين! تحيَّر الكثيرون فى أمر هؤلاء «الدواعش» الذين فقدوا كل معانى الإنسانية، وهم يسوقون بشراً بسطاء لا حول لهم ولا قوة إلى منصة القتل، وتساءلوا: كيف طاوعت هؤلاء أنفسهم وأيديهم ليفعلوا فعلتهم البشعة والهمجية؟ الإجابة بسيطة، إنها تركيبة «النفس الشيطانية»، النفس التى يغزلها «الكبْر والعلو». «الكبْر» سمة أساسية من سمات الشيطان، وعندما دعا الله ملائكته للسجود لآدم، استكبر «إبليس» ورفض قائلاً: «لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُد لِبَشَرٍ خَلَقْته مِنْ صَلْصَال مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون». والنفس التى يغزوها الكبْر بإمكانها أن تفعل ما لا يفعله غيرها، وبمقدورها أن تسحق الإنسان فى كل زمان ومكان، غير آبهة بمعنى أو قيمة. ومن المؤكد أن شياطين «داعش» الذين ذبحوا المصريين يسخرون ويضحكون مما يقوله الناس حول بشاعتهم ودمويتهم، بل وربما فرحوا بذلك وسعدوا، فذلك جزء من إحساسهم بالكبْر وسوء مكرهم: «اسْتِكْبَارًا فِى الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً». مرضُ الكبْر إذا دخل نفساً لا بد أن يوردها موارد الهلاك، وسوف تبقى الطريقة التى أدى بها الدواعش فى فيديو قتل المصريين البسطاء شاهداً تاريخياً على الدور الذى يلعبه الكبْر فى شيطنة النفس الإنسانية، فكما رأى الشيطان نفسه فوق البشر واستحل سحقهم، يرى البشر المتشيطنون أنهم فوق غيرهم، وبالتالى يكون من السهل إعمال خناجر الغدر فيهم. العُلوُّ أيضاً سمة من سمات «الشيطان». يقول الله تعالى مخاطباً الشيطان بعد أن عصاه ورفض السجود لآدم: «قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ». فإبليس شعر بالعلو على خالقه. ومظهر من مظاهر النفس الإنسانية المريضة إحساس صاحبها بأنه أعلى من الجميع، وأن الكل لا بد أن يخضع له ويتمرغ تحت قدميه، وإذا حدث ووضعته معطيات الحياة فى حجمه الطبيعى امتلأت نفسه بالحقد والغل على الآخرين. ولو تأمل أى مسلم قصة «قارون» فسوف يفهم الكثير من أخاديد النفس «الداعشية». لقد آتى الله تعالى قارون المال الكثير، فعلا على قومه واستخف بهم، واختال بنفسه بينهم، كجدّه الشيطان «الطاووس»، فخسف الله به وبداره وبماله الأرض. هناك آية عبقرية تمثل الاستخلاص الأساسى من هذه القصة، يقول الله تعالى فيها: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِى الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ». هل تجد بعد ذلك مشكلة فيمن نسج الكبْر وجدانه، وغرقت نفسه فى وهم أستاذية العالم أن يمسك بسكين ويذبح إنساناً ضعيفاً لا حول له ولا قوة؟! إنه الشيطان يمشى على قدمين!