الوضع المأساوى الذى وصلت إليه الدولة الليبية بعد الثورة على نظام القذافى هو مسئولية المجتمع الدولى وحلف الناتو بشكل خاص، فهم قاموا بضرب قوات القذافى وأنهوا نظامه، ودمروا قواته المسلحة وكل مكونات النظام السياسى وتركوا فراغاً سياسياً، ثم تركت البلاد نهباً لكل جماعات العنف الأيديولوجى والقبلى لتقاسم البلاد والعتاد والسلاح ولترتكب أبشع الجرائم ضد الشعب الليبى أولاً وقياداته ثم امتدت لغير الليبيين بإعمال آلة القتل والخطف وكل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. فعدم إكمال المهمة لتحرير ليبيا هو الذى سمح بسهولة شديدة لتجمع جماعات العنف والإرهاب مدعومة بأموال قطرية وتركية وأسلحة مخازن الجيش الليبى التى أصبحت مورداً مهما لكل تنظيمات الإرهاب ليس فقط فى ليبيا إنما أيضاً انتشرت تجارة السلاح الليبى لمصر ومالى وتونس وكل دول الجوار لتشكل خطراً لاستقرار تلك الدول، ورأينا تلك الأسلحة فى مخابئ فى سيناء تستخدم ضد الجيش المصرى والشرطة المصرية، وهى من الأسلحة الثقيلة التى تهدد بالفعل أى قوى نظامية فالحادث الأخير فى سيناء استخدمت فيه مدافع ودانات الهاون وصواريخ ومتفجرات بكميات كبيرة، فهذه التنظيمات التى تمركزت قى ليبيا شكلت إمداداً ودعماً لوجيستيا لتنظيمات الإرهاب فى المنطقة وتشكل تهديداً كبيراً. العمليات استهدفت دول الإقليم كله ليس فقط مصر فهناك عمليات فى تونس ضد الشرطة والجيش وكذلك يواجه الجيش الجزائرى تلك الجماعات ويطاردها على خط الحدود كما أنها نجحت فى التمركز فى شمال مالى وكادت أن تسيطر على الدولة فى مالى الأمر الذى تطلب تدخلاً من قبل الدولة الفرنسية أوقف تمدد هذه الجماعات. ليبيا تشكل الآن قاعدة لتلك التنظيمات وما لم تتم استعادة الدولة فى ليبيا وتعزيز قدراتها وقوتها العسكرية لإحكام السيطرة على الأراضى الليبية وحماية مواطنيها أولاً وحماية ثرواتها من النهب المنظم فإن الخطر سيمتد إلى باقى البلدان المجاورة، بل والإقليم بأكمله لا سيما أن هذا التنظيم لا يخفى وحشيته ودمويته وعنصريته فهو آلة للقتل والتدمير. لا يوجد مبرر على الإطلاق لمقولة إمكانية الحل السلمى مع هذا النوع من التنظيمات فهذا كمن يطلب أن نتعايش مع الوحوش الكاسرة وأن ننتمى لها، وهى مقولة كاذبة ولا تعكس أى عقلانية كما يدعى مطلقو هذه المقولة، كما أنه من غير المقبول تبرير الأعمال البربرية لهذا التنظيم بمقولة إنهم نتاج الاستبداد السياسى، هذا غير صحيح على الإطلاق ويكذبه وجود عناصر منضمة لتنظيم داعش من البلاد الأوروبية نشأوا وترعرعوا فى بيئة ديمقراطية حرة، لكنهم اعتقدوا أيديولوجيا تنظيم داعش وحلم إقامة دولة تتخلص من كل خصومها بالذبح والإقصاء والقتل وهو معتقد يماثل معتقداً بمعركة هرمجدون ضد اليهود، أى إن تنظيم داعش وكل التنظيمات الإرهابية يمكن أن تستخدم مظالم معينة لكسب التأييد والتعاطف لكنها هى إنتاج أيديولولجيا تؤمن بهذه الأساليب الدموية لتصفية المخالفين ولا تؤمن بالآخر ولا بالتسامح ولا بالديمقراطية ولا بالحرية. لا يجب أن تدفع ليبيا هذا الثمن الغالى وحدها وعلى حساب أبنائها ولا يجب أن تشاركها أيضاً دول الجوار إنما هذه مسئولية المجتمع الدولى الذى أتم مهمة الهدم والتدمير ولم يكمل مهمة بناء الدولة، من هنا أهمية التحرك المصرى لدى مجلس الأمن لاستصدار قرار دولى لاستئصال تلك الجماعات من جانب وتعزيز ودعم الدولة الليبية لفرض السيادة على كامل ترابها وتعزيز حقوق مواطنيها، وعلى المجتمع الدولى أن يتحمل المسئولية فى هذا الإطار وأن يتم تكوين تحالف دولى يضم الدول العربية الأساسية ودول أوروبية لضرب تنظيمات الإرهاب المسلح فى ليبيا وتعزيز قدرات الجيش الليبى العسكرية وتمكينه من فرض نفوذه على الأرض لإقامة دولة ليبيا الحرة.