فى البدء كانت «الكلمة».. قالوها دون أن يعوا أن لا قيمة للكلمة، ولا لمن يكتبها، دون أن يكون لكليهما مردود، أى مردود، على مستوى الناس أو السلطة أو كليهما، المهم أن تؤتى الكلمة ثمارها المرجوة، وأن تطرح إنجازاً، أو تصحيحاً لمسار، أو تغييراً ما، أو حتى تفلح فى تحريض، فلهذا خُلقت. وبما أن الكتابة رخصت وابتُذلت، فإن المردود أيضاً رخص وابتُذل، ولم يعد باقياً من فعل الكتابة نفسه -الراسخ فى القدم إلى زمن الفراعنة- من قيمة سوى أنه نزيف حبر يزيد مع كل نزيف دم سال بسبب أو دون.. لا تضمد الكلمات جراحاً، مهما بلغت تفاهة الجرح وعظمة الكلمة، فما بالنا بكلمة تافهة وجرح عظيم. لم تعجبنى كلمات الرئيس السيسى فى أعقاب الحادث، لا أقصد حادث سيناء الأخير، بل أعممها لتشمل كل الحوادث الإرهابية التى مرت بمصر، لا لضعف فى الكلمة، أو طريقة إلقائه لها، بل لأنه «فات أوان الكلمات». مرت مصر بعصور من الكلام، لا شىء سوى الكلام، غث وسمين، لكنه لا يتجاوز حلوق أصحابه، كلام لم ينزل على الأرض، ولم يشهد تفعيلاً، ليس طعناً فى مصداقية القائلين، قدر ما هو طعن فى أنها ظلت «كلمات بلا رد فعل». وبالنسبة لى، لم تخرج كلمات الرئيس عما تخيلته، بل عما تخيله كل مواطن مصرى، وفى عرف الصحفيين «أقدر أضربها من غير ما أسمعه»، أكررها.. ليس لعيب فيما قال، بل لأن القول هنا «هو أضعف الإيمان»، وأن الفعل -أى فعل- هو الإيمان نفسه. ■ يسأل سائل: وما الفعل المطلوب من رئيس جمهورية يحكمه القانون والدستور؟ ■ فأرد عليه سؤاله بسؤال: وهل فى قوانين هذا البلد ما يحاسب رئيس جمهورية على أى فعل يندرج تحت بند «المصلحة الوطنية»؟ ■ يعود السائل: هى غابة إذن؟ ■ فأرد عليه: وهل لديك أدنى شك فى هذا، هى غابة لا بد أن يحوّلها الرئيس إلى دولة، يروّض أسودها، ويكسر أنياب وحوشها. ■ من جديد يسأل: ومن سيوافق على هذا؟ ■ فأحسم جداله: الأمر ليس مطروحاً للنقاش.. إنها الحرب، القاعدة تقول «إما النصر أو الشهادة»، لكنها بالنسبة للجيش المصرى «إما النصر أو النصر». ماذا لو فعل الرئيس؟.. قد يصلح عنواناً لهاشتاج على مواقع التواصل الاجتماعى، وقد يصلح لسلسلة ندوات يحيى فيها معرض الكتاب دورته الباهتة ويربطها بالحدث، لكننا سنعود إلى النقطة الأم «مجرد كلام»، لن يعيد الشهيد، ولن يحمى التراب، ولن يحفظ السيادة، وحتماً لن يبنى الأمم.