شهرزاد مطربة مصرية ذات تاريخ طويل فى الغناء والطرب، آمن بصوتها القوى والاستثنائى كبار ملحنى عصرها الذهبى.. وقال عنها عبدالوهاب: صوت من عمق مصر، يمتاز بعمق الأصالة والقوة والإحساس.. ويضيف الموسيقار محمد الشريف: إنها تحفة فى متحف.. صوتها فى وادٍ وعصرها فى وادٍ آخر.. وتعترف أم كلثوم، ويا له من اعتراف، بأن شهرزاد هى المطربة الوحيدة من بعدى التى تستطيع أن تقف وتغنى لساعات على المسرح، لا تنافسها فى ذلك إلا سعاد محمد، والأخيرة كانت تمتلك صوتاً عذباً ينافس جمال صوت أم كلثوم، لكنها انشغلت عن فنها بتربية أطفالها التسعة! لكن شهرزاد بإرادة صلبة قررت أن تكرّس حياتها للفن، ساعدها ودعمها زوجها العاشق المحب عازف التشيللو القدير الفنان محمود حمدى، فقد عاشا معاً قصة حب رومانسية مرهفة دفعت بموهبة شهرزاد إلى الأمام. كان صوت الزوج العاشق، فى رسائله المسجلة التى يبعث بها من مسقط، عاصمة سلطنة عمان، يحمل نبضات قلب موله مفعم بالمودة والرضا على عكس المرارة التى تغلف عبارات الابن يسرى، ابنها الوحيد، وشكواه من إهمال والديه اللذين انشغلا بالفن عن تربيته ولأنه افتقد حنانهما واهتمامهما منذ طفولته، وهو ما حاول تلافيه مع ابنه وابنته، حفيدى شهرزاد محمود وهبة، التى امتهنت الفن رغماً عن والدها. جاء «ستو زاد» (81 دقيقة) على خلاف الأسلوب التقليدى لتقديم السير الذاتية التى تتابع رحلة الشخصية من المبدأ للمنتهى، لكن هبة اختارت أن تبدأ مع الجدة العجوز التى ما زال وجهها يحمل ملامح جمال قديم من اللحظة المعاصرة بعد أن انحسرت عنها الأضواء وتباعد صوت رنين الهاتف متجاوزة العديد من المحطات أو الرغبة فى توثيق.. تعابث الجدة فنسمع، ونرى سيدة تحمل بين جنبيها روحاً قوية، وثقة زائدة وصراحة مزعجة وعفوية طازجة وآراء صادمة، وأنانية فنية مؤمنة بقدراتها غير وجلة من أن تؤكد أن «مفيش رجالة فى الزمن ده»!! وأن أم كلثوم كانت تستشعر غيرة منها رغم تقديرها واحترامها لسيدة الغناء. فى استهلال مطول، تركز هبة المخرجة على هبة الطفلة، فى محاولة متكلفة لتصوير علاقة العشق الخاص والحب الخالص بينها وبين الجدة مستخدمة شرائط فيديو قديمة كوسيلة متكررة سواء بالأبيض والأسود، أو بالألوان لتقديم الحياة اليومية للأسرة أو للحظات استرجاع بعض الأغنيات التى ما زالت فى ذاكرة محبى شهرزاد مثل «يا ناسينى» أو «عسل وسكر» وغيرهما.. كما استخدمت المخرجة عدداً من اللوحات خطت عليها بعض العبارات بفصحى ركيكة مع ترديد صوتى للعبارات ذاتها بطريقة تجافى صحيح اللغة، وما كان أغناها عن تلك الكلمات المتفلسفة بغير ضرورة، لكن ما إن نتجاوز تلك الدقائق حتى تبدأ مشاهد الفيلم فى التدفق، وبرغم القطعات الخشنة، مونتاجياً، فقد وفق المونتير هيثم الشال والمخرجة بالطبع فى اختيار اللحظات المهمة التى تجلو ملامح الشخصية فى صراعها مع الذات والآخرين، كاشفة عن صلابة داخلية وأنانية لافتة وعشق للذات يضاهى عشق الحفيدة لذاتها وللجدة. فى مشهد النهاية.. يأتى صوت المطربة الكبيرة وهى تغالب الزمن مع حركة كاميرا تبدأ بخلفية مظلمة تكاد تقطع مع الماضى.. نرى شهرزاد تحاول ترتيب أوراقها القديمة وهى تشدو بصوت يتحدى الأيام مقطعاً طويلاً من أوبريت «العشرة الطيبة» للعظيم سيد درويش معلنة صفاء ذاكرتها وقدرتها على الأداء السليم والصحيح رغم وطأة الزمن والأيام. «ستو زاد.. أول عشق» تجربة فنية استطاعت فيها المخرجة أن تمزج الخاص بالعام. وأن تقدم لنا عملاً وإن كان يحمل اسم ستو زاد إلا أنه فى الحقيقة عن شهرزاد والأب رمزى والابن يسرى وعن هبة بشكل خاص وعلاقاتهم البسيطة والمركبة التى شكلت هذه الحالة الإنسانية البديعة.