يبدو أن مشكلات حديقة «الجيزة» لم تختلف كثيراً عن مثيلاتها فى حدائق حيوانات أخرى فى محافظات مصر، فعلى مساحة 5 أفدنة تتمدد حديقة الحيوان بمحافظة الشرقية، يحاصرها سور حديدى تتوسطه بوابة ضخمة، تعلوها لافتة تعلن تبعية المكان للهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، تستقبل جمهورها الذى يتنوّع ما بين غالبية من العشاق، وقلة من العائلات تكاد تكون معدومة فى بعض الأيام، حسب «عم محمد» أحد عمال الحديقة. خطوات معدودة بمجرد عبورك البوابة، يظهر على يمينك ما يطلق عليه «ملاهى الأطفال» تضم ألعاباً متهالكة تكسوها طبقة ترابية، تدل على عدم اقتراب الأطفال منها، بينما على اليسار مقهى مغلق منذ 4 سنوات، وفقاً لتقدير أيمن لطفى مدير الحديقة، الذى أعرب عن ارتياحه لغلقه، لأن تشغيله كما يقول كان يمثل أعباء إضافية على إدارة الحديقة، التى تلجأ إلى تعزيز الخدمات الأمنية بعد انتهاء مواعيد الزيارة فى الثانية ظهراً، حتى لا يتسلل رواد الكافيه إلى المساحات الخلفية من الحديقة. طريق ترابى يشطر الحديقة إلى نصفين، تتناثر أقفاص وبيوت الحيوانات فى الشطر الأيمن، باستثناء بيت السلحفاء وأقفاص العصافير التى تقبع فى الشطر الأيسر، لا يتجاوز زوار الحديقة ال25 زائراً يومياً، كما رصدتهم «الوطن» أثناء جولاتها داخل الحديقة التى استغرقت ساعتين، ولا يظهر أغلبيتهم أى اهتمام بالحيوانات الموجودة وإنما يتم الاكتفاء بالجلوس على المقاعد الخشبية المتناثرة فى أرجاء المكان، باستثناء ثلاث أسر لا أكثر بصحبة أطفالهم، يتجولون بين بيوت الحيوانات فى أرجاء الحديقة. تقدر الثروة الحيوانية داخل الحديقة التى تستقبل الزوار طول أيام الأسبوع من الثامنة صباحاً وحتى الثانية ظهراً، ماعدا الثلاثاء ب20 نوعاً من الحيوانات المستأنسة، أغلبها من فصيلة الحيوانات العشبية، وفقاً لمدير الحديقة، لا يوجد بينها أى حيوانات مفترسة، هو ما اعتبره أيمن لطفى المسئول الأول عن حيوانات الحديقة ميزة حتى لا تتعرض حياة الأطفال للخطر ولعدم خبرة العمال الكافية للتعامل مع هذه النوعية من الحيوانات المفترسة، موضحاً أن نوعية الحيوانات الموجودة داخل الحديقة مناسبة جداً لمساحة المكان وتكفى فى الوقت الحالى، خاصة أن هناك عمليات تكاثر تتم فى الحديقة، ما يساهم فى زيادة أعداد الحيوانات الموجودة فى الحديقة بطبيعة الحال. وعلى الرغم من الهواء النقى الذى تتميز به محافظة الشرقية فإن رائحة الروث تفوح فى أرجاء المكان، والحيوانات ترقد وسط فضلات، والعطن يظهر على بقايا الطعام، سمات تشترك فيها بيوت وأقفاص الحيوانات داخل الحديقة، بينما تزيد معاناة كل نوع منها حسب إهمال العامل المسئول عنها، والمكان الذى تعيش فيه الحيوانات ومدى الرعاية التى تتوفر لها. فالقرود مثلاً تعيش فى قفص حديدى بيضاوى الشكل يتكون من طابقين، قام عامل الحديقة بحبس أنثى القرد مع اثنين من أبنائها حديثى الولادة فى صندوق خشبى صغير متهالك لا تتجاوز مساحته النصف متر، يقبع فى زاوية القفص الحديدى، يبرر العامل ذو الأربعين عاماً المسئول عن رعايتها، هذه الوضعية «حتى لا يتعرض لهم الذكر الكبير»، على حد تعبيره، الذى ترك له القفص ذا المترين والمكون من طابقين يلهو فيه كما يشاء وسط رائحة نفاذة كريهة تعبئ أرجاء المكان، بينما تفشل محاولات أنثى القرد التى تحاصرها جوانب خشبية معتمة، فى الخروج من القفص الخشبى، تنبش بيديها لعل الخشب يلين لها، لكن بلا جدوى. أما حال «السيد قشطة» الذى يوجد داخل الحديقة اثنان منه فلا يختلف عن الحال السيئ للقرود، فهو يعيش فى بركة مياه سوداء اللون، ماؤها آسن، تطفو على سطحها الطحالب والشوائب، بينما يغوص ويطفو فيها «السيد قشطة»، العامل المسئول عن البركة يؤكد أنه لم يتم تغيير ماء البركة منذ أكثر من عام، بسبب وجود مشكلة فى تصريف المياه لم تحل حتى الآن، مضيفاً «أن كمية المياه الموجودة فيها كبيرة، ويصعب تفريغها فى أى مكان وننتظر حتى يتم إصلاح الصرف». على النقيض تماماً، تخلو بركة الأوز من المياه، التى يقبع فيها أكثر من 20 أوزة من فصيلتين مختلفتين، يتوسط البركة عمود خرسانى يضم العديد من صنابير المياه، ورغم ذلك تظل البركة دون مياه، وهو ما وثقته «الوطن» بالصور أثناء جولتها فى الحديقة. ولا تجد إدارة الحديقة أى مشكلة فى وضع «عنز أبيض» الذى ينتمى لعائلة اللقلق موطنه الأصلى آسيا وفقاً للوحة الإرشادية مع «كبش روى» من عائلة البقرية، فى مكان واحد داخل الحديقة، بررها أيمن لطفى مدير الحديقة بأن الكبش «نقل مع العنز لأنه يعتدى على أبنائه». ولم ينج الجمل ذو السنامين من الإهمال الذى تتعرض له الحيوانات داخل الحديقة، حيث أصيب بانحناء شديد فى إحدى سناميه، ويرقد وسط الروث الممزوج ببقايا الطعام المهدر، هو ما برره مدير الحديقة بقوله إنهم لا يقصرون فى توفير الطعام للحيوانات ويتم توقيع الكشف عليها بصفة دورية، ورغم ذلك نفى علمه بانحناء سنام الجمل، وعندما تمت مواجهته بالصور التى توثق ما تقوله «الوطن» أكد أن سبب ذلك هو صيام الجمل وعزوفه عن الأكل. القوى البشرية العاملة فى الحديقة قدرها مدير الحديقة الذى يعمل بها منذ عشر سنوات ب30 فرداً، منهم العمال الذين يتعاملون مع الحيوانات بصورة مباشرة، وأفراد الأمن المسئولون عن تأمين الحديقة، واثنان من الأطباء البيطريين، وتعتبر المشكلة الأكبر هى قلة الموارد التى لا تكفى الحديقة، وهو ما اتفق عليه محمد حسن ذو 45 عاماً، أحد عمال الحديقة، بأن مشكلة العاملين بالحديقة هى قلة الرواتب وعدم التثبيت، مضيفاً «نحن نعمل هنا منذ 11 عاماً وما زالت الرواتب لم تتجاوز 500 جنيه».