«الأزمة المناخية جنون، يجب علينا وقف هذا الجنون»، هكذا صرخ رئيس وفد الفلبين إلى مؤتمر الأممالمتحدة للتغيرات المناخية «COP19»، المنعقد في بولندا عام 2013، أثناء حديثه عن حجم الدمار الهائل الذي خلفه إعصار «هايان» في بلاده، ولم يتمالك ناديريف سانو دموعه لتنهمر أمام قادة العالم، قبل أن يعلن الانقطاع عن الطعام لحين إحراز تقدم بشأن إقرار آلية لتعويض بلاده وغيرها من الدول الفقيرة، عن الأضرار والخسائر التي لحقت بها، جراء التغيرات المناخية. وعلى مدار 9 سنوات كاملة، منذ «COP19»، وانعقاد 8 دورات لمؤتمر أطراف اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، ظلت الدول الفقيرة والأكثر تضررا من التغيرات المناخية، تطالب بإدراج قضية تمويل الخسائر والأضرار على جدول أعمال المناقشات الجارية، ضمن جهود العمل المناخي على مستوى العالم، حتى جرى الاتفاق بالفعل على وضع هذه القضية الملحة ضمن الملفات الرئيسية للدورة الحالية من مؤتمر الأطراف «COP27»، المنعقد في مدينة شرم الشيخ. صندوق تمويل لتعويض الدول الفقيرة كان تقرير لمنظمة «جرينبيس» المعنية بحماية البيئة أشار إلى أن عدداً من الدول الغنية، التي تتحمل المسؤولية الأكبر عن الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، ما زالت تعرقل المساعي لإحراز أي تقدم في المناقشات الخاصة بإنشاء صندوق لتعويض الدول الفقيرة عن الخسائر والأضرار التي لحقت أو قد تلحق بها، بسبب التغيرات المناخية، رغم إدراج هذه القضية الحيوية ضمن محاور مؤتمر شرم الشيخ، بجانب موضوعات أخرى، منها التخفيف والتكيف والتمويل. وأشار تقرير المنظمة الدولية المعنية بحماية البيئة، الذي تلقته «الوطن» اليوم الأحد، إلى أن بعض الدول الغنية، المشاركة في محادثات شرم الشيخ، تستخدم «تكتيكات المماطلة والتسويف» لتأجيل أي قرارات تتعلق بتمويل الخسائر والأضرار إلى عام 2024 أو ما بعده، كما لم تقدم أي طرح لضمان إنشاء صندوق لتمويل الأضرار، أو أي مصادر تمويل جديدة تحت مظلة اتفاقية الأممالمتحدة لتغير المناخ. وتطالب الدول النامية بالاتفاق على إنشاء هذا الصندوق تحت مظلة اتفاقية الأممالمتحدة، وإيجاد مصادر والتزامات جديدة لتمويل الخسائر والأضرار، التي تعاني منها نتيجة الكوارث المناخية المتزايدة، كما تشدد على ضرورة تحقيق ذلك بحلول عام 2024 على أبعد تقدير، كما تقترح إدارة الصندوق ضمن بنود اتفاقية تغير المناخ، مثلما هو الحال بالنسبة ل«الصندوق الأخضر للمناخ»، و«مرفق البيئة العالميّة». الاتحاد الأوروبي يبدأ الاستماع لمطالب الدول النامية في كلمته أمام الجلسة الافتتاحية لمؤتمر شرم الشيخ، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، إن الحصول على نتائج ملموسة بشأن الخسائر والأضرار، يمثل «اختباراً أساسياً» لالتزام الحكومات بإنجاح قمة المناخ، وبينما يبدو أن الاتحاد الأوروبي قد بدأ الاستماع إلى مطالب الدول النامية، فأن دولا اخرى تعرقلها، منها الولاياتالمتحدة ونيوزيلندا والنرويج وأستراليا، التي تأمل في استضافة مؤتمر الأطراف «COP31» في عام 2026، وفق ما أورده تقرير «جرينبيس». وأجمع عدد من العلماء والخبراء، بينهم مدير عام معهد «بوتسدام» لدراسات آثار تغير المناخ في ألمانيا، يوهان روكسترام، خلال سلسلة اجتماعات، على أن «جهود التكيف وحدها لن تكون كافية لمواجهة آثار تغير المناخ، والتي أصبحت أسوأ مما كان متوقعاً». وأكد العلماء وجود حاجة إلى حلول أخرى، حيث يتعين على الأطراف المسؤولة عن أكبر نسبة من الانبعاثات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، الاتفاق على تدابير ملزمة للحد من هذه الانبعاثات، كما نقل تقرير «جرينبيس» عن مدير الحملات في المنظمة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أحمد الدروبي، قوله «تعاني الدول والمجتمعات التي كان لها أقل قدر من الإسهام في الانبعاثات المسببة لتغير المناخ، من الحجم الأكبر من الأضرار، ما يعمّق عامل عدم المساواة والظلم التاريخي الذي تتعرض له، وما نسمعه من كلام عن المواعيد الأخيرة والتعقيدات، تزيد من المماطلة، واستمرار رفض الملوثين تحمل مسؤولياتهم التاريخية». وأوضح الدروبي أن «دول الجنوب العالمي بحاجة إلى آلية وصندوق تمويل الخسائر والأضرار فوراً، فالملايين من البشر يجدون أنفسهم في صراع للبقاء، وهذا ليس طلبا للمعونة أو الصدقة أو العمل الخيري، لكن هو طلب للحقوق، وحان الوقت لوضع حد لهذا الظلم، هنا والآن، خلال قمة المناخ الأفريقية»، في إشارة إلى الدورة ال27 لمؤتمر أطراف اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، المنعقدة في شرم الشيخ. من جهتها، قالت فاطمة الزهراء طريب، الناشطة المغربية في مجال العدالة المناخية، إن «مشاهدة مستوى التخبط واختلافات الرأي في موضوع الخسائر والأضرار وتمويلها يخيّب الآمال، حيث تعرقل الدول الغنية مسار المفاوضات، وتركز على الأمور التقنية والتعهدات، بدلاً من النظر إلى الأرواح التي تزهق، والثقافات التي تفقد». وأضافت «نحن بحاجة إلى العدالة المناخيّة الآن، وتطبيق فوري لآليات التمويل، والبدء هنا في أفريقيا، إحدى المناطق التي عانت كثيراً من تاريخ مليء بالاستعمار». أما هارجيت سنج، رئيس الاستراتيجيّة السياسة الدولية في شبكة العمل المناخي العالمية، فقال إن «تصرفات الدول الغنية السطحية وغير الجدية، حول موضوع التمويل خلال مؤتمر شرم الشيخ، غير مقبولة بتاتا، ولا يمكنهم تأجيل واجبهم للمساعدة في إعادة إعمار المجتمعات التي تواجه الكوارث المناخية المتتالية، وعلينا أخذ الأزمة على محمل الجد، والتأكد من إقرار آلية قابلة للتنفيذ حول تمويل الخسائر والأضرار بحلول عام 2023، فلا يمكنهم تجاهل مطالب تكتل الدول النامية، الذي يمثّل أكثر من 6 مليارات إنسان حول العالم». من جانبه، حذر سيفي باينيو، وزير المالية في جزر توفالو بالمحيط الهادئ، من أن بلاده مهددة بالغرق بسبب التغيرات المناخية، موضحا «موطني يغرق، مستقبلنا يغرق، توفالو تغرق، من دون العمل المناخي الجاد، وتحديداً الاتفاق على إنشاء آلية وصندوق للخسائر والأضرار، تحت مظلة اتفاقية الأممالمتحدة الإطارية لتغيّر المناخ، قد يكون هذا آخر جيل يترعرع في توفالو»، وتوجه لرؤساء الوفود قائلاً «زملائي المفاوضين، إن مماطلتكم تقتل شعبي وثقافته، لكنها لن تقتل أملنا». ووجه أولاياسي تويكور، ممثل مؤتمر الشباب للمحيط الهادئ، من فيجي، نداءً إلى وفد أستراليا قائلاً إن «موضوع الخسائر والأضرار بالنسبة لنا ليس عبارة عن محادثات ومناظرات تجري مرة في السنة، بل خسائر وأضرار تعاني منها أرواحنا وأرزاقنا وأراضينا وثقافتنا، نريد من أستراليا أن تكون جزءا من عائلة المحيط الهادئ، نود ان تشارك في استضافة مؤتمر (COP31)، لكن ذلك يحتاج التزاماً بالمطالب التي ندعو إليها منذ 30 عاماً، على أستراليا دعم إنشاء صندوق لتمويل الخسائر والأضرار الآن». وعبرت الناشطة الكينية الشابة رقية أحمد عن غضبها تجاه عرقلة مفاوضات إنشاء صندوق تمويل الخسائر والأضرار، بقولها «أنا فعلا غاضبة، مجتمعنا يعاني مباشرة من آثار تغير المناخ، نحن مجتمع رعوي يعاني الفقر الشديد، فالأطفال يموتون بسبب سوء التغذية، والمدارس تُغلق جراء الفيضانات، والماشية تنفق جراء موجات الحر والجفاف». وأضافت «الدول الغنية تدور في حلقة مفرغة، الشمال العالمي هو المسؤول، وعلى قيادات دول الشمال التوقف عن عرقلة جهود تمويل الخسائر والأضرار فوراً». أما الناشطة البرازيلية سونيا جياجاجارا، إحدى قيادات السكان الأصليين، فقالت «من المستحيل تحقيق العدالة المناخية دون تحقيق العدالة الاجتماعية للجميع، وذلك يعني مستقبل آمن وعادل ونظيف»، مضيفة «علينا التأكد من وضع حقوق الشعوب الأصلية في محور أي حديث أو قرار يتعلق بالتمويل المناخي، ما زلنا نطالب بهذا الأمر منذ وقت طويل، وقد حان الوقت الآن للاستماع إلى مطالبنا».