لعلّه من حسن الطالع فى هذه الأيام، ومع بداية عام 2015، الذى نتمناه عام رخاء وسعادة للشعب المصرى، بعد أربع سنوات عجاف مرت بمصر، عانى فيها الشعب بعضاً من الجوع والخوف، ونقصاً من الأموال والأنفس والثمرات.. لعله من حسن الطالع أن يتوافق احتفالنا بعيد الميلاد المجيد مع احتفالنا بالمولد النبوى الشريف، وكأنها إشارة إلى الوحدة التى تربط بيننا، وإلى ضرورة الاعتصام بها ضد كل محاولات الفتنة والفُرقة التى يقودها شياطين الإنس فى هذه الأيام.. فهنيئاً للإخوة الأقباط عيد الميلاد المجيد، وهنيئاً لنا كمسلمين المولد النبوى الشريف، وهنيئاً لنا جميعاً مسلمين وأقباطاً هذه الروح التى أصبحت توحد بيننا، وربطت بين قلوب عنصرى الأمة. فى بداية القرن العشرين احتفل المسلمون والأقباط بهاتين المناسبتين فى التوقيت ذاته.. وكان من حسن الطالع أيضاً أن كان بينهم أمير الشعراء أحمد شوقى، الذى خلّد هذه المناسبة فى قصيدته الرائعة التى يقول فيها: أعهدتنا والقبط إلا أمة ** للأرض واحدة تروم مراما.. نعلى تعاليم المسيح لأجلهم ** ويوقرون لأجلنا الإسلاما. ثم يطلق شوقى حكمته الخالدة فى احترام التنوع والاختلاف: «الدين للديان جلَّ جلاله .. لو شاء ربك وحَّد الأقواما». وهو القائل أيضاً فى قصيدة أخرى عن الموضوع ذاته: «إنما نحن مسلمين وقبطاً .. أمة واحدة على الأجيال .. قد تحلى بكم يسوع وكنا .. لطه ودينه بجمال.. وإلى الله من مشى بصليب .. فى يديه ومن مشى بهلال». ولا تقل روعة عن أشعار أمير الشعراء أحمد شوقى العبارة الخالدة المنقولة عن مكرم عبيد باشا، السياسى الوفدى البارز، وأحد أكبر السياسيين فى الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين، والذى قال: «نحن مسلمون وطناً ونصارى ديناً، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك، وللوطن أنصاراً.. اللهم اجعلنا نحن نصارى لك، وللوطن مسلمين». ويقال إنه كان يحفظ القرآن كاملاً ويجوده تجويداً تاماً، وهو الوحيد الذى مشى وراء جنازة الشيخ حسن البنا، بعد أن منع البوليس الرجال من المشاركة فى هذه الجنازة!! ومن يتتبع مواقف الكنيسة المصرية من الوحدة الوطنية يجد تناسقاً واستمرارية رائعين.. فى بداية القرن العشرين رفض البابا كيرلس الخامس عرض اللورد كرومر المندوب السامى البريطانى فى مصر بوضع أقباط مصر تحت الحماية البريطانية مع إبقاء البلاد رهن الاحتلال إلى الأبد مقابل امتيازات للمواطنين الأقباط، وهو ما دعا كرومر إلى التسجيل فى مذكراته: «إن الفرق الوحيد بين المسلم والقبطى هو أن الأول يعبد الله فى مسجده والثانى فى كنيسته ولا تستطيع أن تفرق بينهما». وكان للبابا شنودة مقولة شائعة نصها: «مصر ليست وطناً نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا»، وكان للبابا تواضروس مقولته الرائعة أيضاً: «وطن بلا كنائس، أشرف من كنائس بلا وطن».. ومنذ عدة أيام، نشرت بعض مواقع التواصل الاجتماعى (الفيس بوك والتويتر) صورة لأحد رجال الدين المسيحى فى مصر وهو يقف أمام محل لبيع حلويات المولد النبوى، ويقوم بشراء بعض الحلوى.. ولو كان لى أن أختار لقلت إن هذه الصورة التى تم نشرها و«تشييرها» على نطاق واسع هى أجمل صورة معبرة عن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين فى بداية العام الجديد.. وإنها أبلغ من مليون مقال. اللهم رب المسلمين اجعل أيامنا كلها أعياداً، واللهم رب المسيحيين أدم علينا المحبة والود، واللهم رب العالمين، ورب المسلمين والمسيحيين، وحِّد بين صفوفنا، وألِّف بين قلوبنا، ولا تجعل فينا خلال هذه السنة الجديدة شقياً ولا محروماً.. برحمتك يا أكرم الأكرمين، يا الله.