لم يكن أمير الشعراء أحمد شوقي ، في بدايات القرن العشرين ، يعلم أن الإرهاب الأسود سيكون سببا في إفساد احتفالات المصريين بذكرى ميلاد السيد المسيح و المولد النبوي الشريف في بدايات القرن الواحد و العشرين ، حين قال : عيد المسيح وعيد أحمد أقبلا يتباريان وضاءة وجمالا ميلاد إحسان وهجرة سؤدد قد غيرا وجه البسيطة حالا يحتفل المصريون هذا العام بالمولد النبوي الشريف ، وسط مخاوف من اعتداء عملاء الموساد من المتطرفين على الكنائس المحتفلة بذكرى ميلاد السيد المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام . هؤلاء المجرمون الذين يستغلون الدين ستارا لجرائمهم هم سبب كل نكبة لحقت بأمتنا العربية حتى قبل ميلاد النبي الكريم ، فأمثال هؤلاء كانوا سببا في قتل و تشريد مئات العرب عام الفيل . و عام الفيل هو العام الذي ولد فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، حيث قرر ابرهة الاشرم أن يبني كنيسة القليس في اليمن ، تخليدا لأصحاب الاخدود الذين دفعوا أرواحهم ثمنا لتمسكهم بدينهم و دفاعهم عن حرية الاعتقاد ، لم يكن ابرهة صادقا في مسعاه نحو تخليد ذكرى الشهداء ، و إنما كان يريد أن يجعل صنعاء لا مكة حاضرة الجزيرة العربية ، مستغلا عدالة قضية أصحاب الأخدود ، و أفضلية النصرانية على الوثنية . كانت لأبرهة أهداف سياسية وأطماع اقتصادية ، ولكنه كان ينتظر حجة قوية لاستباحة مكةالمكرمة ، وهدم الكعبة المشرفة ، كان يريد ستارا أخلاقيا لجريمته النكراء ، و كان له ما أراد حين قررعربي أحمق من كنانة أن ينتصر لمقدساته باحتقار مقدسات الاخرين ، فقام هذا الأحمق بتدنيس كنيسة القليس . القصة ذاتها تكررت بعد ذلك مئات المرات في صراعنا من أجل حماية أرضنا ومقدساتنا ، مئات الحمقى العرب يورطون شعوبهم في معارك خاسرة بتصرفات صيبانية يستغلها اعداؤهم ، جماعات مسلحة هنا وهناك و مجاهدون يدعون كذبا و بهتانا الدفاع عن الدين و الوطن ، و أغلبهم عملاء للعدو المحتل أو جهلاء ليس لديهم حظ من علم أو عقل ، و لعل قصة العربي الاحمق بن لادن و النصراني المجرم بوش الابن خير مثال على ذلك ، فقد استباح الأول لنفسه هدم برجين ، فاستغل الأخر الإساءة وردها بأسوء منها ، و قرر احتلال بلدين و قتل ملايين . خرج ابرهة مدافعا عن مقدساته ، مزهوا بقوته وجيشه ، مرتكبا نفس الجرائم التي ارتكبها الملك الظالم ذو نواس الذي قتله أبرهة ثأرا لأصحاب الإخدود . في طريقه إلى مكة سحق أبرهة كل من حاول التصدي له دفاعا عن بيت الله الحرام ، حتى وصل الي مكةالمكرمة ، فكانت نهايته و هلاك جيشه ، و هكذا فشل أبرهة في هدم الكعبة ، رغم أن أبرهة كان على ديانة النصرانية التي استشهد عليها أصحاب الأخدود الذين كرمهم الله في كتابه العزيز ، و كان العرب على الوثنية البغيضة التي هدمها الإسلام ، و هذا هو الدرس الذي لم يلتفت إليه المتطرفون من أبناء جلدتنا ، أن الله قهر ابرهة لانه اراد استغلال دينه الحق لتبرير جرائمه وتحقيق اطماعه ، فخرج يريد حمل الناس على دينه من أجل الدنيا ، ولسان حال القدرة يقول إن هذا لن يكون لان في هذا الزمان سيولد النبي الذي يرفع شعار " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " ، بل لقد ذم الله في أول سورة من سور القرآن الكريم المعتدين على حرية ممارسة الشعائر الدينية ، قال تعالى في سورة العلق : " أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى" . لقد حمى الإسلام مقدسات المخالفين لنا في العقيدة ، و جعلها مقدمة على مساجد المسلمين ، قال تعالى: "وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" ، فقدم الله دور عبادة غير المسلمين على المساجد . هذا هو الاسلام الذي أعرفه ، وغير ذلك من اعتداء بعض المنتسبين إليه على دور عبادة المخالفين في العقيدة هو خروج على تعاليم الاسلام واتباع لسنة ابرهة الأشرم . عود على بدء ، ما أحلى الرجوع لشعر شوقي الذي تجسدت فيه كل معاني التسامح الديني والوحدة الوطنية ، و منها قوله : أعهدتنا والقبط إلا أمةً للأرض واحدة تروم مراما نُعلي تعاليم المسيح لأجلهم ويوقّرون لأجلنا الإسلاما الدين للدّيان جلّ جلاله لو شاء ربك وحّد الأقواما بمولد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم تعلمنا التسامح والمحبة و مودة أهل الكتاب ، خاصة الأقباط الذين أوصانا رسول الله بهم خيرا ، حين قال : " إن الله سيفتح لكم مصر فأذا فتحها عليكم فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لكم فيهم صهرا وذمه " ، و امتثالا لوصية رسول الله أقول لكل المسيحيين من أهل مصر كل عام و أنتم بخير ، بمناسبة ميلاد السيد المسيح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم .