أعدت رحمة حسن، الباحثة بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، دراسة تحليلية قدمت فيها دلالات وقراءات حول زيارة رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، إلى القاهرة، والتي تعد الثانية خلال العام الحالي، عقب الزيارة الأولى في مارس الماضي، منذ تحركات أكتوبر 2021، حيث استقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية، اليوم، في طريق عودته من نيويورك عقب مشاركته في أعمال الدورة ال 77 من أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وتأتي الزيارة في ضوء استمرار الأزمات الداخلية التي يمر بها السودان منذ 25 أكتوبر 2021، والدعم المصري المستمر في قضايا الأمن الغذائي وارتفاع أسعار الطاقة المتفاقم بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية، وكون استقرار السودان جزءًا من الأمن القومي المصري، بجانب الرؤية المشتركة حول قضية سد النهضة، بما في ذلك الوضع في الإقليم وخاصة الشأن الليبي وخروج المرتزقة، والتنسيق مع تشاد لحماية الحدود السودانية والتنسيق الأمني والسياسي والعسكري، وهو ما يضعنا أمام دلالات عدة لهذه الزيارة، تتحدد في التالي: مصر وتحقيق استقرار السودان أكد اللقاء على عمق العلاقات التاريخية بين البلدين، واستمرار أطر التنسيق والتعاون الأمني والعسكري والاقتصادي والتجاري، نتيجة الارتباط الوثيق للأمن القومي للبلدين، وهو ما سينعكس على الملفات التالية: الآلية الرباعية فشلت الآلية الثلاثية (البعثة الأممية في أفريقيا والإيجاد والاتحاد الأفريقي) للتوصل إلى اتفاق بين القوى المدنية المنقسمة في البلاد والمكون العسكري يضمن الوصول إلى عملية انتقالية متفق عليها وانتخابات ودستور لتحقيق استقرار السودان بسبب الاحتجاجات المستمرة منذ إعلان البرهان إجراءات 25 أكتوبر 2021، وهو ما وصفه البرهان في كلمته أمام الأممالمتحدة بأنها لم تؤتِ ثمارها وتعطيل الوقت، وأعلن المجلس السيادي انسحاب الجيش من المشهد السياسي والانتقالي مع التوصل إلى انتخابات في يوليو الماضي، ومع مبادرة بعض القوى الداخلية بمقترح تشكيل مجلس سيادي ومجلس وزراء وأعضاء تشريعيين وإنشاء دستور جديد، لكن ما زالت هناك بعض القوى التي ترفض التفاوض مدعية أن تصريحات البرهان مجرد مناورة سياسية. وهذا ما دفع «الآلية الرباعية: المكونة من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والمملكة المتحدة» إلى محاولات تجميع الفرقاء منذ بداية سبتمبر الحالي؛ إلا أنها لم تأتِ بجديد بعد، وربما يرجع ذلك إلى عدم اعتراف البرهان بتشكيلها، ما دفعه إلى عدم طرحها خلال كلمته بالأممالمتحدة؛ لاعتراضه على الوجود الإنجليزي الذي وصفه سابقًا بأنه ضد استقرار السودان. وهو ما يترتب عليه حاجة البرهان للوقوف ضمن الصف العربي لإيجاد مخرج بالدولة السودانية من براثن الاضطرابات بعد إعلانه بعدم «الانتظار إلى ما لا نهاية» في حال التطويل دون إجراء انتخابات، وهو ما يضعنا أمام إطلاق مدة زمنية للتوصل إلى اتفاق من القاهرة وهو ما يحتاج الحصول على توافق مع المجتمع العربي سيبدأ من القاهرة عقب احتضان مصر لعدة لقاءات عربية لتوحيد الصف العربي، بجانب إيجاد دعم عربي لإيجاد حلول مشتركة عند طرح القضية في اجتماع الدورة العادية لجامعة الدول العربية المقرر عقده نوفمبر المقبل في الجزائر، بجانب التعرف على الخبرات المصرية في مواجهة محاولات تغلغل جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وهو الشيء ذاته الذي يعاني منه السودان وقد يقف عائقًا أمام تنفيذ أي اتفاق. تحقيق الأمن الداخلي والاستقرار شهدت مصر على توقيع اتفاق جوبا للسلام، وبجانب عدم الاستقرار مع عدم التوصل لدمج الحركات المسلحة في الجيش الوطني، ونزع تسليح القبائل، واستمرار النزاع حول مسار الشرق وانفصال أكبر حركتين عن عدم التوقيع، بجانب أعمال العنف في دارفور المتباينة، والتي تنتقل إلى الحدود مع تشاد؛ يشهد السودان حالة من الاضطرابات القبلية المسلحة بين الحين والآخر، ما يحتاج تنسيقًا معلوماتيًا، والتعرف على الخبرات المصرية في دعم واستقرار البلاد، هذا بجانب التنسيق الأمني والعسكري بين البلدين. مواجهة الديون الخارجية وتحقيق الأمن الغذائي والطاقة سعى البرهان خلال كلمته أمام الأممالمتحدة إلى إحداث نوع من التأييد الدولي لدعم السودان، في ظل ما يعانيه من أزمات نتيجة تفاقم الديون الخارجية وموجات اضطرابات بين الجفاف والفيضانات نتيجة التغيرات المناخية، وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء العالمي الذي فاقمته الأزمة الروسية الأوكرانية، والتأكيد على أهمية السودان بوصفه سلة غذاء العالم ولكنه في حاجة للدعم الدولي في تمويل المساعدات الإنسانية في ظل استقباله للعديد من النازحين في أفريقيا، وتمويل التكنولوجيا الزراعية لدعم الغذاء في البلاد. ويتزامن ذلك مع استضافة مصر لمؤتمر المناخ COP 27، والذي يهدف إلى توفير الدعم المادي لقضايا المناخ للدول الأفريقية في ظل ما تعانيه من آثار أعمال الدول المتقدمة، هذا بجانب توفير الدعم في مجالات الطاقة نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية، مما أدى إلى تزايد الاضطرابات الداخلية. هذا بجانب العمل على الحصول على المساندة المصرية في فك الجمود الخارجي والأفريقي في ظل العقوبات المفروضة على السودان، وحلحلة جمود العلاقات الدولية بالسودان وعودته إلى الاتحاد الافريقي لإعطاء صورة جيدة عقب وضع خطة للتحول الديمقراطي، والحصول على الدعم المصري لذلك. وتقوم العلاقات المصرية السودانية على مبدأ التآخي والمصالح المشتركة، والتي تظهر في عدة مشروعات لتحقيق التكامل الزراعي بين البلدين، وتطوير سبل التبادل التجاري عبر مشروعات الربط السككي والكهربي. مواجهة آثار الفيضانات: شهد السودان على مدار الأيام الماضية كارثة إنسانية نتيجة الفيضانات الناتجة من ارتفاع منسوب النهر واستمرار هطول الأمطار والسيول، ما نتج عنها خسائر بشرية ومادية جمة، أوجبت على الدول العربية إرسال المساعدات الإنسانية، وكانت على رأسهم الدولة المصرية، بعد توجيهات الرئيس السيسي بإرسال المساعدات الإنسانية والغذائية والدوائية والإيوائية لمتضرري الفيضانات مع بداية الشهر الحالي. ويأتي ذلك في ظل التنسيق الجيد بين دولتي مصر والسودان، ومشاعر الأخوة بين البلدين للحفاظ على وحدة وسلامة الشعب السوداني، ويحتاج السودان لمزيد من الدعم وكذلك إعادة البناء والتعمير، وهو ما يمكن أن تشهده المحادثات بين الزعيمين. مصر والسودان «مصير مشترك» قضية سد النهضة: تعد قضية سد النهضة أولوية قصوى للبلدين، في ظل الآثار المشتركة المترتبة على دولتي المصب مصر والسودان، وهو ما يحتاج تنسيقًا مباشرًا ومستمرًا بين البلدين لوضع حلول مشتركة؛ فشهد اللقاء الأول بين الرئيس السيسي والفريق البرهان خلال العام الحالي في مارس الماضي تأكيدًا على ضرورة التوصل إلى اتفاق عادل ومنصف بشأن السد الإثيوبي وتنفيذ قرار مجلس الأمن الرئاسي بالتوصل لاتفاق قانوني ملزم بقيادة الاتحاد الأفريقي، وذلك وفقًا لاتفاق المبادئ الموقع عام 2015، ولكن مع استمرار الموقف الإثيوبي في ظل الحديث حول خطورة السد، فإنه يحتاج لتنسيق دائم بين البلدين لإيجاد سبل مشتركة لمواجهة أزمة السد. وانعكست أهمية قضية السد في ظل التغيرات المناخية التي يشهدها العالم، ويعد السودان من أكثر الدول التي عانت من تبعات الجفاف والفيضانات والسيول، مما يحتاج إلى خطة قومية ودعم إقليمي وتنسيق متبادل حول التخلص من التهديدات الخارجية للتفرغ لعمليات التنمية الداخلية. ويعد اللقاء بمثابة تعزيز للرؤية المصرية السودانية، وانعكاس لوجهة النظر المصرية بأن القاهرة والخرطوم تتخذان مواقف مشتركة بشأن الأزمة؛ لما يحقق الأهداف المشتركة للبلدين. خاصةً عقب لقاء البرهان ورئيس الوزراء الإثيوبي في يوليو الماضي في العاصمة الكينية نيروبي على هامش أعمال قمة مجموعة إيجاد، والتي خرجت بضرورة التوصل لحل سلمي لكافة الأزمات بما يتضمن سد النهضة وكذلك أزمة منطقة الفشقة الحدودية، وهو ما يعد خطوة نحو حلحلة الأزمة بين القاهرة والخرطوم من جهة، وأديس أبابا من جهة أخرى. الملف الليبي: على الرغم مما تعانيه الدولة السودانية من اضطرابات داخلية، إلا أنها قادت خلال رئاستها لمنظمة الإيجاد عددًا من قضايا السلام في أفريقيا، مثل تنفيذ اتفاقية السلام في جنوب السودان، والتعاون مع الصومال حتى الوصول لحكومة منتخبة وعودته لقلب انتمائه العربي، ودعم اتفاقية السلام في جمهورية أفريقيا الوسطى، والكونغو، وهو ما يضع السودان طرفًا مهمًا في المعادلة الليبية نتيجة المشاركة في الحدود الجنوبية، بجانب الحدود التشادية، وهي المنطقة التي تشهد اضطرابات نتيجة الأعمال الإرهابية ووجود الحركات المسلحة. وبالتالي فإن السودان طرف مهم في المعادلة الليبية للتوصل إلى حل «ليبي – ليبي» بجانب قضية خروج المرتزقة من ليبيا، وهو ما يحتاج إلى ترتيبات أمنية حتى لا يؤثر الأمر على السودان المجاور، وهي القضية التي تدعمها الدولة المصرية بشدة، في ظل الجهود المصرية لتحقيق أمن واستقرار الإقليم وتنفيذ اتفاق القاهرة. تحقيق أمن البحر الأحمر بجانب مشاركة السودان مصر أمنها القومي من ناحية الجوار، ودول حوض النيل، فإنها تطل على الممر الأكبر أهمية في العالم وهو البحر الأحمر، وبالتالي فإن تحقيق استقرار الممر جزء من تحقيق استقرار الإقليم العربي والإفريقي والدولي نتيجة ارتباطه بأكبر ممر عالمي وهي قناة السويس، وبالتالي نظرًا للأهمية الجيوسياسية للدولة السودانية في القرن الأفريقي وشرق أفريقيا وفي ظل الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، فيعد التنسيق الجيد بين مصر والدول المشاطئة للبحر الأحمر أمرًا في غاية الأهمية للدولة المصرية. وفي ظل الحديث حول التنسيق بشأن إنشاء قاعدة روسية عسكرية في السودان، في ظل عدم وجود تأكيدات فعلية، والتي أوقف تنفيذها الانقلاب على البشير، بجانب الحضور الروسي في المنطقة من خلال جماعة فاجنر الروسية بشكل يشعل التنافس الدولي في الإقليم، فإن الأمر يحتاج إلى تنسيق عربي مستمر للحفاظ على مصالح دول المنطقة بعيدًا عن أهداف التنافس الدولي. ويضعنا الطرح السابق أمام ضرورة ملحة لاستمرار اللقاءات، وطرح وجهات النظر للوصول إلى أمان الدولة السودانية؛ لكون استقرارها من استقرار الدولة المصرية. وقد عكست أجندة اللقاء بين الرئيس السيسي والفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وجهات النظر المشتركة بشأن القضايا المصيرية وأهمها بالطبع قضية السد الإثيوبي. ويُتوقع استمرار اللقاءات المكثفة لتحقيق المصالح المشتركة بين البلدين، وهو ما يوضحه إجراء البرهان زيارته الثانية إلى القاهرة في أقل من عام.