- أثناء زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للصين، قام بزيارة إلى مقر الحزب الشيوعى الصينى، وخلال اللقاء سأل عدد من قيادات الحزب الشيوعى الرئيس السيسى: (لماذا لا يكون لديك حزب وظهير سياسى باعتبار أن ذلك أمر بديهى وحتمى؟ فأجاب الرئيس بأن الفترة الحالية صعبة، وتأسيس حزب سياسى للرئيس قد يؤدى إلى انقسام المجتمع)، وفى الحقيقة لا أحد يستطيع أن ينكر أو يتجاهل حالة الفراغ السياسى والفكرى التى يعيشها المجتمع المصرى، رغم كل ما شهده من أحداث ومظاهرات واعتصامات وصدامات أثناء الأربع سنوات السابقة التى غيرت أوضاعاً كثيرة، ورغم كل الانتخابات والاستفتاءات التى شارك فيها الشعب، ورغم عشرات الأحزاب الوهمية التى تأسست والائتلافات والتحالفات الانتخابية التى نسمع عنها الآن فإن هذا كله لم يغير هذه الحقيقة. - إن الحراك الشعبى الذى شهده بلدنا خلال السنوات الأربع السابقة، يمكن أن ينتج عنه متظاهرون ومعتصمون وكيانات سياسية وهمية لكن يستحيل أن ينتج عنه فلسفة أو يخلق فكراً أو يبنى ظهيراً سياسياً حقيقياً، لسبب بسيط أنها ليست أحداثاً طبيعية وليست أحداثاً قائمة على تطور منطقى يصنعه جهابذة فكر وعصارات عقول المجتمع، فقد غاب عنه من اللحظة الأولى الإطار الفكرى والفلسفى، إن الثورات الشعبية عندما تقوم فإنها عادة تمثّل انعكاسات لصراعات اجتماعية عميقة، وسلوك الثورات يجب أن يكون انعكاساً لفلسفة بعينها تغذيها، فلكل ثورة صراعها وفلسفتها وقاماتها، وبالتالى لها أبطالها على الأرض وفلاسفتها وغياب الفكر والفلسفة والقادة يجعل الثورة تمرداً ليس إلا، ولا تحمل إلا صفات الانفعال الشعبى الغوغائى الذى ينتج حتماً فراغاً فكرياً وسياسياً حتى وإن أحدث تغيرات جوهرية فى منظومة ومراكز السلطة. - فالثورة الفرنسية عندما قامت كانت -رغم عنفها وجنونها- ثرية بالفلاسفة والمفكرين الذين صنعوا من فعل الثورة حدثاً مفصلياً فى التاريخ عندما تحولت هذه الثورة إلى وسيلة صراع اجتماعى مسلحة بالفكر وبالمنطق الذى لا يزال يجرى فى عروق قيم الحضارة الإنسانية، ويرسّخ المصطلحات الثورية والمفاهيم الكبرى الفرنسية الصنع والصياغة عن المساواة والحرية، ونحن نرى فيها مفكرين وفلاسفة وكتّاباً، كما نرى أعداد الغوغاء التى اجتاحت باريس، وبالتالى لم يغب الظهير الفكرى عنها أبداً، وكان من السهل بناء الظهير السياسى لها، وكذلك كانت ثورة البلاشفة فى روسيا، فبرغم أن من قام بها كانوا على درجة كبيرة من الأمّية (الذين أطلق عليهم البروليتاريا)، فإنها اعتمدت على فلسفة عملاقة هى الماركسية والماركسية اللينينية، وكل متخماتها من جدلية هيجل ومادية فيورباخ، فالثورة عادة تأتى بعد نهوض الفلاسفة وإضاءاتهم الفكرية، وزرعهم البذور واختمار أعنابهم، أما أن ينهض الفلاسفة بعد الثورات فمحال، والأكثر استحالة أن تنتج ثورة فلسفة وفكراً لأن الفلسفة هى التى تنتج الثورة. - هذا وبالإضافة إلى غياب الفكر والفلسفة عن حراكنا الشعبى، فإنه أيضاً جاء بعد تراجع شديد فى مسيرة مصر فى السنوات الأخيرة التى سبقته، وتعرض خلالها العقل المصرى لعملية تجريف منظمة شارك فيها تعليم متخلف وإعلام ساذج وجماعات تطرف أفسدت عقول الشباب، وأفقدت المجتمع مقوماته الفكرية الأساسية وأدخلته فى صراع حول الهوية، فجاءت أحداث السنوات الأربع وما صاحبها من مؤامرات لتزيد الوضع سوءاً من الناحية الفكرية. إن الأزمة الحقيقية فى قضية الفراغ الفكرى الذى ترك الشارع خالياً لكل الأفكار الهدامة والمشوّهة حتى وصلت بنا إلى مناطق التطرف والإرهاب والشذوذ والإلحاد، وأصبح المجتمع فى حاجة ملحة إلى علاج فكرى يعيد له الرشد والصواب، هذا العلاج الفكرى هو الوعاء الأوسع والأشمل وهو الذى ينتج الظهير السياسى الحقيقى، والفكر الذى أقصده هنا هو فكر الوطنية المصرية الذى يجب أن يسبق كل اللافتات الأخرى سواء كانت حزبية أو دينية أو سياسية أو حتى طبقية، وهو ما يجب أن يتأسس كل شىء فى بلدنا عليه. - لقد انطلق «السيسى» للحكم من إرادة شعبية ظهرت فى لحظة مصيرية وارتبطت به كمخلّص لها، ولم يحمله إلى السلطة حزب أو تيار، وهذه الإرادة الشعبية هى الركيزة الأساسية التى نعتمد عليها فى بناء بلدنا وحمايته، وهذه الإرادة الشعبية انتماؤها للوطن فقط بعيداً عن التقسيمات السياسية التى مزقت المجتمع، ومن وجهة نظرى أن ارتباط الرئيس بحزب أو تحالف سياسى سوف يكون له تأثير سلبى على هذا الظهير الشعبى، وإذا كنا نريد للرئيس السيسى ظهيراً فينبغى أن يكون ظهيراً وطنياً يعبر عن إرادة وطنية تضم كل المصريين وتحافظ على وحدتهم حتى تخرج مصر من محنتها، إنه الظهير الوطنى وحده هو الذى يحمينا جميعاً من تقلبات السياسة ومؤامرات الساسة.