قطعت مصر شوطا كبيرا خلال السنوات الثماني الأخيرة في ملفات المواطنة ومواجهة الموروث الضخم من المشكلات الطائفية التي كان أحد أسبابها «حرية المعتقد»، وهو ما كان صداعا مزمنا في رأس الكنيسة والدولة، خلال العقود الماضية. فخلال السنوات الثماني الماضية، سعى الرئيس عبدالفتاح السيسي لإعلاء حرية المعتقد ومعاملة المصريين على قدم المساواة فى الحقوق والواجبات دون النظر لاعتبارات الدين، والسعى بكل قوة لتحقيق المواطنة على أسس راسخة، وهو ما تُرجم فى تصريحات الرئيس، كقوله خلال فعاليات إطلاق الاستراتيجية الوطنية الأولى لحقوق الإنسان فى 2021: «مش بسهولة أبداً إننا نعمل ممارسات، فيه فكرة احترام الآخر والاعتقاد أو عدم الاعتقاد، لو واحد قال لى أنا مش مسلم ولا مسيحى ولا يهودى ولا أى دين فى الدنيا.. انت حر، ده أنا إكمنى غيور على دينى بحترم إرادته، لأن الأصل فى الموضوع هو الحرية، حرية المعتقد اللى ربنا كفلها لينا، قال لك انت حر تؤمن أو لا تؤمن، وده كلام قلناه كتير، لكن المجتمع على مدى 90 أو 100 سنة بيتمّ صبغه بطريقة محددة». السيسي: «إحنا تجاوزنا كلمة مسلم ومسيحي.. كلنا مصريين» وهو ما كرره فى تصريحات صحفية خلال تفقده مشروع توشكى فى أبريل 2022: «إحنا تجاوزنا كلمة مسلم ومسيحى كلنا مصريين، وكل ما نفعله خلال السنوات الماضية يؤكد أننا كلنا زى بعض ولا تمييز بيننا». تصريحات الرئيس عن كفالة الدولة لحرية الاعتقاد رسختها إجراءات فعلية تنفيذاً لنص الدستور فى مادته 64 التى نصت على أن «حرية الاعتقاد مطلقة، وحرية ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الأديان السماوية حق ينظمه القانون». وتمثل ذلك في حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي، على زيارة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وبعدها كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة، لتهنئة الأقباط فى مصر بأعياد الميلاد، وتأكيده أكثر من مرة أنه يقف فى «بيت من بيوت الله»، وتأكيده كذلك أن مصر تجاوزت فكرة «مسلم ومسيحى»، وأن الجميع «مصريون». «المواطنة وحرية الاعتقاد والحقوق المتساوية للجميع» كما حرص الرئيس السيسي، على الالتقاء عدة مرات بعدد من قيادات الكنائس المصرية والعالمية، وآخرها لقاؤه مع وفد رؤساء كنائس الشرق الأوسط، حيث احتضنت القاهرة هذا العام اجتماعات الجمعية العامة للمجلس لأول مرة منذ تأسيسه عام 1968، وأكد خلال لقائه معهم على ثبات نهج مصر تجاه «المواطنة وحرية الاعتقاد والحقوق المتساوية للجميع»، مشيراً إلى أن تلك القيم «يتم ترسيخها بممارسات فعلية وواقعية فى جميع مناحى الحياة لتعظيم تلك القيم الإنسانية من السلام والمحبة وعدم التمييز لأى سبب ونشر ثقافة التعددية وحرية الاعتقاد، وفى المقابل مكافحة التعصب والتشدد». وأبلغ دليل على ذلك حرص مصر خلال السنوات الماضية على «ترميم العديد من الآثار والمواقع والكنائس المسيحية الأثرية الزاخرة بالمخطوطات والأيقونات التاريخية الفريدة، فضلاً عن مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة، إضافة إلى ترميم عدد من المعابد اليهودية التاريخية فى البلاد». ولم يكن ما فعله السيسى إلا تتويجاً لما سعى الدستور المصرى لترسيخه فى المجتمع عقب ثورة الثلاثين من يونيو 2013، ففى حدث فريد تضمنت ديباجة دستور 2014، ذكر المسيحية والكنيسة، إذ جاء ذكرهما فى ثلاثة مواضع، الأول: «وعلى أرضها احتضن المصريون السيدة العذراء ووليدها، ثم قدموا آلاف الشهداء دفاعاً عن كنيسة السيد المسيح عليه السلام»، والثانى مقولة البابا شنودة الثالث: «مصر وطن نعيش فيه ويعيش فينا»، والثالث ذكر «مباركة الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية لثورتى 25 يناير و30 يونيو». الحفاظ على المكونات التعددية والثقافية في مصر أما فى مواد الدستور فحظيت الكنيسة بالمادة (3) التى نصت على أن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود هى المصدر الرئيسى للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية، والمادة (50) التى نصت على أن تراث مصر الحضارى والثقافى المادى والمعنوى، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى المصرية القديمة والقبطية والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وصيانتها، كما كلفت المادة الدولة أن تولى اهتماماً خاصاً بالحفاظ على المكونات التعددية والثقافية فى مصر. وكذلك المادة (53) التى تشير إلى أن المواطنين متساوون لدى القانون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو العقيدة واعتبار التمييز والحض على الكراهية جريمة يعاقب عليها القانون، مما يحد من الاضطهاد للمسيحيين أو المرأة أو غيرهم. ونصت المادة (64) على أن حرية الاعتقاد مطلقة وممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة لأصحاب الديانات السماوية حق ينظمه القانون دون قيد أو تضييق، ومنعت المادة (74) تكوين الأحزاب على أساس دينى أو طائفى. وحول ذلك يشيد المفكر القبطي كمال زاخر بالوضع الحالي الذى تم ترسيخه حول حرية الاعتقاد فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقال ل«الوطن»، إن الأمر يحتاج إلى بعض الأمور الأخرى التى من شأنها تعزيز هذا التوجه، وهو المواجهة المجتمعية والثقافية لقبول فكرة «التحول الدينى» تحديداً، وإلا سنبقى ندور فى نفس الدائرة.