ضعف المشاركة السياسية للشباب وعدم انخراطهم فى العمل العام قضية مجتمعية شائكة. وأتحدث هنا من خلال تجربة شخصية خضتها بصفتى أحد مؤسسى وقيادات حزب العدل بعد ثورة 25 يناير، فقد استطعنا خلال فترة وجيزة استقطاب ما يزيد على 10000 شاب من 15 محافظة سرعان ما انفضوا بعيداً عن الحزب بنفس السرعة التى تجمعوا بها حوله لأسباب متعددة، منها عدم إدراك البعض الفرق بين الحزب والحركات الاحتجاجية والجمعية الأهلية، فكثير من الشباب كان يريد أن يخرج إلى الشارع للهتاف والتظاهر، وآخرون يريدون القيام بدور الدولة فى رعاية قطاعات مجتمعية محتاجة أو محرومة من الخدمات. وكما هو الحال فى كثير من أحزاب العالم، ساهم عدم وجود تمويل منتظم فى تأجيج المشاكل، وترك الكثيرون الحزب محبطين بغير رجعة ليودعوا الحياة السياسية إلى الأبد. والقصة عينها تكررت فى الأحزاب الأخرى التى تشكلت بعد الثورة، فقد تعددت الأسباب والفشل واحد، إما لسيطرة رأس المال أو الالتفاف حول شخص دون وجود خط فكرى واضح للحزب، أو لسيطرة وجوه وعقليات قديمة، وإن كان بعضها محترماً على الساحة السياسية بأفكار وأساليب نمت وترعرعت فى ظل بيئة سياسية بائسة ومحدودة الطموح. إن الاستثمار فى الحياة السياسية هو أفضل استثمار للمستقبل، فبدون حياة حزبية ناضجة لن يكون هناك مساءلة وشفافية، ولن يكون هناك تداول للسلطة الذى هو أساس الحكم الرشيد. إن فشل التجارب الحزبية الأخيرة خير دليل على أن قواعد اللعبة المعمول بها حالياً عقيمة وضارة، فهدف الأحزاب هو استقطاب أفضل عناصر المجتمع فى جميع المجالات للفوز بشرف قيادة الدولة، ورغم أن شباب مصر يتمنون هذا الشرف، فإن الأجواء السياسية طاردة للكفاءات النجيبة، وجاذبة للكوادر الرديئة. إن حرص الدولة على مشاركة الشباب فى الحياة السياسية وتكرار الدعوات لهم دون جدوى يدفعنى لطرح رؤيتى من واقع تجربتى للمساهمة فى إعادة إنتاج حياة حزبية صحية وسليمة يستطيع الشباب من خلالها أن يمارسوا دورهم السياسى بحرية دون الاصطدام بالعوائق البيروقراطية التى تدفعهم دفعاً للابتعاد عن عالم السياسة، وتتلخص رؤيتى فى النقاط التالية: * أن يكون تأسيس الأحزاب بالإخطار فقط وبدون توكيلات، فاشتراط 5000 توكيل من عشر محافظات معوق إدارى لا فائدة منه، فهذا الشرط وإن كان فى ظاهره ضمان للجدية فإن فى باطنه أساس تفجير الأحزاب من الداخل، فهذا الشرط يؤدى إلى اعتماد مؤسسى الأحزاب على مجموعات مختلفة فى المحافظات لجمع التوكيلات سرعان ما تتحول إلى قنبلة موقوتة تتقاتل للسيطرة على أمانة المحافظة وتتجاهل العمل السياسى والجماهيرى على حساب المكاسب التنظيمية، وسرعان ما ينتهى الأمر باستقالة الكثير من الكوادر الجيدة، كذلك يجب إزالة المعوقات الإدارية والقانونية التى تمنع الأحزاب من الاندماج وتشجع الأعضاء على عدم الانفصال. * تشجيع الأحزاب على الوجود فى الجامعات عن طريق توفير مكاتب لهم، وتشجيع الطلبة على الانضمام إلى الأحزاب فى ظل ضوابط تمنع المزايدة على الوطنية أو استغلال الدين، فابتعاد الأحزاب عن الجامعات خلق انفصاماً بين قيادات الأحزاب وقواعدها الطبيعية من الشباب الذين هم ساسة المستقبل. * تخصيص دعم مالى مؤقت من الدولة ينقذ الأحزاب من سيطرة رأس المال ويسمح ببناء البنية الأساسية للحزب كتأجير مقرات وتعيين إداريين وباحثين، على أن تراجع موازنة الحزب من الجهاز المركزى للمحاسبات ويتم تحديد بنود الصرف المسموح بها و غير المسموحة للحد من سوء استخدام الأموال، كذلك يتم ربط التمويل بالأداء بحيث يرتفع فى حالة الفوز بمقاعد فى مجلس النواب أو المجالس المحلية، على أن يكون هناك حد أقصى للتمويل الحكومى، ويقل التمويل عند الإخفاق فى تحقيق نتائج فى استحقاقات انتخابية متتالية. إن إتاحة حد أدنى من التمويل للأحزاب بعيداً عن سطوة رأس المال هى بوابة دخول الكوادر الجيدة إلى الحياة السياسية. * تخصيص مساحات محددة فى الإعلام الحكومى للأحزاب فى نشرات الأخبار وبرامج التوك شو لتغطية أخبار الأحزاب وإتاحة مساحة للقيادات الحزبية للتحدث والوصول إلى الجماهير، وكذلك تخصيص مساحات إعلانية فى أوقات الاستحقاقات الانتخابية لضمان وصول الأفكار والمرشحين لأكبر قطاع من الجماهير، بجانب قيام الإعلام الحكومى بعمل استطلاعات دورية للرأى يتم نشرها تساعد الأحزاب والسياسيين عموماً على متابعة المزاج العام والتعرف على اهتمامات المواطن ومراجعة وتصويب البرامج والرسائل السياسية. * تشكيل مركز ذى موازنة منفصلة يتبع اللجنة العليا للانتخابات ويقوم بتدريب الأحزاب على أساليب إدارة الأحزاب والحملات الانتخابية وإعداد البرامج وكيفية التواصل والعمل الجماهيرى، وذلك بدلاً من الاعتماد على المراكز الأجنبية التى قامت بهذا الدور فى ظل عزوف القطاع الأهلى والحكومى عن القيام به. أعتقد أن هذه المقترحات فى حالة الأخذ بها تمثل حزمة إنقاذ ضرورية للاستثمار فى الحياة السياسية والحزبية وتشجيع الشباب على الانخراط فيها، فاذا كانت الحكومة حريصة على تحفيز الاستثمار فى المجالات الاقتصادية، فمن الأولى أن تستثمر فى القيادات المستقبلية للدولة.