قبل 25 عامًا، وبينما كان الكهربائي الأيسلندي البسيط يعيش حياة هادئة مطمئنة مع رضيع رزق به قبل 3 أشهر، يحتضنه ويداعبه ويستمتع بأبوة حديثة يستكشف معانيها، كان للقدر رأي آخر، عندما تركه في صباح اليوم الثاني وغادر لعمله، ليكون على موعد مع الخطر عندما تعرض للصعق الكهربائي، ويتبدل كل شيء إلى النقيض تماما، جسد بلا ذراعين عاجز عن أداء أبسط متطلبات الحياة، يحتاج مساعدة الجميع حتى مجرد قبلة حب على رأس صغيره لم يعد قادر عليها، ولكن العجز الذي تمكن من جسده لم يستطع الاقتراب من قلب نابض بالأمل. المستحيل لم يكن أبدًا أيسلنديًا، وفيليكس جريتارسون قرر العودة للحياة، ليس بمجرد عزيمة على فعل ما لا يفعله أقرانه الأصحاء، وإنما بإصرار أن تعود له أطرافه، أمر يبدو أسطوريا كما كان يتصوره من حوله عندما يحكي عنه ويصر عليه، حتى الأطباء أنفسهم لم يتصوروه عندما أصر سنوات على العودة للحياة بذراعين كاملين. ربع قرن، والرجل لا يكل ولا ييأس من أجل حلمه، واثق من لمس ومعانقة صغيرته التي تكبر كل يوم أمام عينه، يطارد أطباء زراعة الأعضاء في العالم من أجل سراب لا يراه إلا هو، ولكنه عاش لأجله وتمكن من جعله واقع ليصبح أول شخص على وجه الأرض يجري جراحة زراعة ذراعين كاملين، يعانق بهما أحلامه وحريته وصغيرته التي صارت أما الآن في مشهد تجسدت فيه معجزات الخالق. هنا في هذه السطور توثق «الوطن» في أول حوار مع صحيفة مصرية ما كان الجميع يعتقده درب من الخيال في تجربة فريدة، استحضرت الحي من الميت، وتثبت أن العجز في عقول لا زالت تحرم وتمنع ما قد يمنح الحياة. ويروي ل«الوطن»، كواليس العملية الجراحية الفريدة من نوعها ومحاولاته التي استمرت لأعوام، وإلى نص الحوار: صعق كهربائي قوي في عام 1998 أفقدني أطرافي في البداية.. حدثنا عن الحادث الذي تسبب في فقدان ذراعيك؟ قبل الحادث كنت أعمل كهربائيا، وتعرضت خلال عملي لحادث صعق كهربائي قوي في عام 1998، خلال عملي في بلدي أيسلندا، نقلت حينها إلى المستشفى وكانت حالتي متدهورة، وقال الأطباء أنه لابد من بتر الذراعين حتى أتمكن من العيش، ولا سبيل للرفض لأنه سيكون له أثار سلبية عديدة، حينها كنت في ال25 من عمري. كيف تمكنت من العيش لسنوات من دون ذراعيك؟ الوضع كان سيئا، كنت في أسوأ حالاتي، لا يمكن للإنسان أن يعيش دون الاعتماد على ذراعيه فجأة، بعدما كنت أفعل كل شيء لنفسي، أصبحت بحاجة للمساعدة في كل شيء، من يساعدني للدخول للحمام، من يعاونني في تغير محطة التلفاز، ومن يضع الطعام لي في فمي، وغيرها من أساسيات الحياة، ومع ذلك كنت أشعر أن هناك أمل وفرصة لأعود كما كنت عليه بذراعين كاملين. أجريت عملية خطيرة وفريدة من نوعها.. كيف تمكنت من إقناع الأطباء بها؟ في العام ذاته الذي تعرضت فيه للحادث، قرأت أخبارا عن إجراء فريق من الأطباء الفرنسيين بقيادة الدكتور جان ميشيل دوبرنارد أول عملية زرع يد ناجحة، وهو ما ألهمني الكثير من الأمل، وبعد 9 سنوات من الحادث في عام 2007، ، كان الدكتور «دوبرنارد» يلقي محاضرة بإحدى الجامعات، وحينها اتصلت بالكثير من الفنادق لمعرفة مكانه، ووافق على مقابلتي. فيليكس: الطبيب رفض الفكرة في البداية.. وقضيت 9 سنوات أستعد للعملية في البداية، رفض الطبيب الفرنسي الفكرة وقال إنها قد تمثل خطورة على حياتي وأنها نهاية المطاف، لكن بعد حديث طويل معه، أقنعته بالتجربة وإجراء العملية بعدما أخبرته أنها كل أملي في الحياة ولن أتمكن العيش دون المحاولة في تلك الفكرة. العملية ليست بسهلة.. كيف كانت الاستعدادات لها؟ الاستعداد للعملية أستغرق سنوات طويلة، بدأ في عام 2007، حينما طلب مني الطبيب فحوصات طبية عديدة، وسافر بها إلى بلده فرنسا لدراسة فكرة العملية، وفي عام 2011 ذهبت مرتين إلى ليون لإجراء بعض الفحوصات الطبية، وأكد لي بعد الفحوصات موافقته على إجراء العملية ولكنه سيكون بحاجة إلى وقت طويل للتحضير. وفي 2016 كان كل شيء جاهز لإجراء العملية، الفريق الطبي والفحوصات والخطوات التي سيتم اتخاذها بعد الجراحة، لكن كنا في انتظار المتبرع الذي استمرت عملية البحث عنه نحو 5 أعوام. كيف تمكنت من العثور على المتبرع؟ ساعدني الأطباء بوضعي على قائمة انتظار المتبرعين، وكنت حينها رفعت شعار تداولته وسائل الإعلام «لن أعود إلى المنزل دون ذراعي»، حتى تمكنت من العثور على رجل أوصى بالتبرع بأعضائه بعد وفاته، وأجرينا العملية الجراحية فور وفاته. كيف كانت حالتك الصحية والنفسية بعد العملية؟ بعد العملية كانت السنة الأولي هي الأصعب بالنسبة لي، كنت أشعر بألم شديد في ذراعي وكان ثقيلا في الحمل، وأجد صعوبة بالغة في تحريكه، لكن مع بدء الأعصاب في النمو والأربطة والعروق في التماسك بين الجسم والذارعين، بدأ الوضع يتحسن الحركة أصبحت أسهل، وخضعت لفترة طويلة في التأهيل والعلاج الطبيعي حتى أصبحت الحركة عادية بالنسبة لي. حدثنا عن اللقاء الأول بينك وبين ابنتك بعد العملية الجراحة؟ حضنت ابنتي بعد 24 عاما كان عناقا طويلا، أخر مرة احتضنت فيها ابنتي كان قبل الحادث، أي قبل أكثر من 24 عاما، كانت حينها في عمر ال3 أشهر، شعرت بسعادة كبيرة بعدما تمكنت من ضمها إلى حضني، كنت في قمة سعادتي وأن أتمكن من احتضانها، كذلك كانت سعادتي كبيرة جدا بعدما تمكنت من احتضان أحفادي لأول مرة. حدثنا عن دور زوجتك في تلك المرحلة الصعبة؟ منذ إصابتي دعمتني زوجتي كثيرا، فكنت اعتمد عليها في كل شؤون حياتي، وعلاقتنا بعد الحادث أصبحت أكثر قوة ومتانة، هي امرأة رائعة كنت محظوظا بها.