هل تنجح السعودية فى توسيع نطاق المصالحة الخليجية التى أعادت السفراء الثلاثة إلى العاصمة القطرية بعد 9 شهور من المقاطعة، لتصبح مصالحة عربية جادة تلم شمل العرب وتوحد صفوفهم، وتساعدهم على تشكيل جبهة قوية تقدر على هزيمة الإرهاب الذى يهدد أمن معظم الدول العربية، ويسكن قلبها وأطرافها، ولم تعد أخطاره تقف عند حدود دولة بعينها؟! وإذا كانت قطر قد تعهدت تحت ضغوط السعودية فى قمة الرياض بعدم المساس بأمن أى من دول الخليج حفاظاً على خليج واحد يقدر على مواجهة أخطار «داعش» وتهديدات طهران، فلماذا لم تمد قطر تعهداتها لتشمل أمن مصر، خاصة أن غالبية دول الخليج تعتقد على نحو جازم أن ما يهدد أمن مصر يهدد أمن دول الخليج، ولهذا بادر الجميع إلى الوقوف إلى جانب مصر، ومساندتها فى مواجهة محاولات زعزعة أمنها واستقرارها بعد أن نجح المصريون فى إسقاط حكم المرشد والجماعة؟! ثم ما الضمانات التى تحول دون نكوص قطر عن التزاماتها خاصة بالنسبة لمصر، بدعوى أن علاقاتها مع أى من الأطراف الأخرى خارج دول مجلس التعاون الخليجى، تدخل فى نطاق حقوق السيادة القطرية لا يصح لأى من دول الخليج التدخل فيها؟! وأخيراً هل يجوز للمصالحة الخليجية أن تصبح ساتراً تمارس قطر من خلفه دورها التآمرى على أمن مصر والمصريين؟! أسئلة صعبة تتعذر الإجابة الصحيحة عن معظمها فى نطاق المعطيات الملموسة التى تؤكد أن قمة الرياض بنتائجها كانت مفاجأة سعودية كاملة للجميع بمن فى ذلك مصر والمصريون، الذين قدموا قيادة وشعباً حسن النيات على سوء الظن، واستقبلوا المفاجأة بترحيب بالغ ثقة منهم فى قدرة العاهل السعودى على إنجاز ما وعد به رغم سوابق عديدة مع قطر انتهت إلى سراب. وما يزيد من صعوبة الموقف أن المبادرة السعودية تفتقد حتى الآن وجود ملامح محددة ترسم خارطة طريق واضحة للمصالحة الشاملة، تنطوى على واجبات ومسئوليات كل الأطراف المعنية، كما تفتقد جدولاً زمنياً يحدد خطواتها على نحو دقيق، وضمانات أساسية تحدد ما يجوز وما لا يجوز بشأنها ضماناً للنجاح، لأن نجاح المبادرة كما أكد العاهل السعودى يتطلب مساندة شعبية عربية واسعة، وفهماً متكاملاً من جانب الإعلام والمثقفين والنخبة العربية كى تصبح المبادرة جزءاً من ضمير المجتمع العربى، يحرس أهدافها ويعمل على حسن تطبيق بنودها. وأظن أن أقصر الطرق لنجاح المبادرة السعودية وأكثرها ضماناً أن تحتضن الجامعة العربية مبادرة الملك عبدالله، تكسوها شحماً ولحماً، وتعيد صياغتها فى بنود متوازنة تحدد الواجبات والمسئوليات، وترسم لها خارطة طريق واضحة وبرنامجاً زمنياً دقيقاً، وتستخلص الدروس المستفادة من أزمة صعبة اعتصرت علاقات الدول الخليجية، وأدت إلى انشقاق خطير فى العلاقات العربية وصل إلى حد المواجهات المسلحة! بحيث نكون أمام مشروع مفصل للمصالحة الشاملة يرسم ميثاق شرف للعمل العربى المشترك، تنظره القمة العربية المقبلة التى سوف تعقد فى مارس المقبل، يعيد روح التضامن العربى وينفخ الحياة من جديد فى مسيرة العمل العربى المشترك، ويفتح لقطر طريقاً رحباً فى إطار التضامن العربى أكثر جدوى وفائدة لأمتها العربية من هذا الطريق المغلق الذى يرعى الإرهاب، ويرسم لقطر صورة مزعجة تقلق معظم دول العالم، بعد أن تورطت وتورط عدد من الشخصيات القطرية المهمة فى جرائم تمويل منظمات إرهابية شملت القاعدة وداعش! وتمت إدانتهم فى محاكمات علنية جرت فى لبنان وغير لبنان، بينهم عبدالعزيز بن خليفة عطية ابن عم وزير الخارجية وخليفة محمد تركى السباعى وعبدالرحمن بن عمير النعيمى وقوائم أخرى كشفت أدوارها فى تمويل منظمات الإرهاب تقارير رسمية أمريكية نشرتها معظم صحف العالم، تتحدث عن أدوار يلعبها أفراد من الأسرة الحاكمة فى تمويل جماعات الإرهاب فى سورياوغزة والعراق وليبيا، وتصدير أسلحة وذخائر تحملها الطائرات القطرية إلى مدينة مصراتة الليبية لتخريب وحدة الشعب الليبى ودفعه إلى حافة الحرب الأهلية! ولا يفيد قطر كثيراً هذا الجدل البيزنطى حول تعريف الإرهاب، لأن تصدير العنف إلى أى من الدول العربية يعتبر تدخلاً غير مشروع فى الشأن الداخلى، ويمثل نوعاً من إرهاب الدولة لا يمكن التسامح معه، نتيجته الوحيدة الخراب والفوضى، وهذا ما تشهده ليبيا وسوريا اللتان تعانيان من تدخل قطرى سافر يمزق نسيج الشعبين السورى والليبى ويهدد وجود الدولتين، وهو ثمن بالغ الكلفة لدور قطرى عشوائى، أحال الربيع العربى إلى رياح سموم قاتلة، تسببت فى قتل أكثر من 200 ألف مواطن سورى وتهجير نصف سكان البلاد، كما تسبب فى خراب ليبيا ووضعها على حافة حرب أهلية! والمؤسف فى الصورة هذا العداء غير المبرر الذى تكنه قطر لمصر ويدفعها إلى أن تسافر آلاف الأميال كى تسلح وتمول جماعات الإرهاب فى غزة وليبيا لتصبح خنجراً يطعن أمن مصر على حدودها الشرقية والغربية! و يحيل قطر إلى ملاذ آمن تؤوى أفراداً إرهابيين ارتكبوا جرائم فى حق أوطانهم ينظرها القضاء المصرى، بينما يتصور قادتها أنهم يستطيعون تغيير أوضاع الحكم فى مصر ويفرضون على المصريين عودة الرئيس المعزول محمد مرسى، وجميعها أوهام كاذبة تستنزف ثروات قطر فى غير طائل بدعاوى التحريض على بزوغ ربيع عربى جديد لا يلبس أن ينكشف كذبه وفساده، لأنه لم يفلح فى أن يصلح أحوال بلد عربى واحد، أو يفتتح مدرسة جديدة يحتاجها بلد فقير، أو يشق طريقاً يختصر متاعب الناس، على العكس جعل تأثير قطر رهناً بقدرتها على إلحاق الأذى بشعوب عربية كثيرة، وأضر بسمعتها خاصة أن البيت القطرى من زجاج، وأظن أن من واجب قطر أن تسأل نفسها، ماذا أفادها تدفق هذه الأموال الضخمة إلى جماعات العنف والإرهاب فى سوريا والعراق وليبيا وغزة! وما الذى أثمره الدور القطرى فى خدمة ثورات الربيع العربى أكثر من أنه أحالها إلى كابوس ثقيل يمزق نسيج الدول العربية ويدفعها إلى حافة الحرب الأهلية، لقد كان يمكن للمال القطرى أن يكون أداة خير وقوة لعالمها العربى، خاصة أنه نتاج إرادة إلهية خصت به الشعب القطرى، لكنه مع الأسف تحول إلى أداة دمار وتخريب أضرت بشعوب عربية كثيرة، دون أن يفيد قطر أو يحقق لها شيئاً سوى سوء السيرة والسمعة! والحق أن المصريين لا يطلبون شيئاً من قطر ولا يريدون معاداتها، ولم يحدث تدخل مصرى واحد فى الشأن القطرى باستثناء بعض الإساءات التى طالت السيدة موزة زوجة الأمير حمد ووالدة الأمير تميم جاءت من نفر محدود من الإعلاميين المصريين بعد أن عيل صبرهم من تدخلات قطر وتآمرها على أمن مصر الوطنى، وربما تستحق السيدة موزة اعتذاراً، لكن ما فعلته قطر فى حق مصر يستحق آلاف الاعتذارات المماثلة، و لهذه الأسباب يأمل المصريون فى أن تنجح مبادرة الملك عبدالله فى توسيع نطاق المصالحة الخليجية، لتصبح مصالحة عربية شاملة تعزز روح التضامن، وتقوى أواصر العمل العربى المشترك، وترمم جراحاً غائرة أرهقت الجسد العربى، وتستنقذ قطر من دورها البائس، لأن المصريين مع تقديرهم لجهود الملك عبدالله وأملهم الكبير فى نجاح مبادرته لن يرضوا بمصالحة شكلية تنتهى عند تبويس اللحى، وتشكل ساتراً لاستمرار الدور القطرى فى تهديد أمن مصر واستقرارها. وأظن أن مطالب مصر فى هذا الشأن واضحة، تخلص فى أن ترفع قطر يدها عن ليبيا احتراماً لمطالب الأمن المصرى، وتتوقف عن تمويل جماعات الإرهاب، وتلتزم بتسليم المجرمين الذين ارتكبوا جرائم ضد وطنهم وتجرى محاكمتهم أمام القضاء المصرى، ولو أن قطر تقدمت خطوة على هذا الطريق فسوف تقابلها مصر بعشر خطوات، لكن البداية ينبغى أن تكون من الدوحة.