كعادته استيقظ مبكرًا في صباح الجمعة، فقد اعتاد أن يجتمع وأبناؤه على مائدة الإفطار قبل الصلاة، يخرج نشيطًا إلى بائع الفول والفلافل، يشتري ما يريد، ثم يعود أدراجه إلى "فرن العيش" يطمئن إلى وجود بطاقة التموين في مستقرها داخل جيب ردائه الأبيض، ثم يقف أمام الكشك "أجيب ب2 جنيه يا حاج" فيتأخر في الرد ليحسب عدد أبنائه "لا إديني ب50 قرش كفاية". يتذكَّر الحاج "سالم"، صاحب الفرن البلدي، "أيام العز" وقت أن كان يبيع من الخبز أضعافًا مضاعفة مما يبيع اليوم "منهم لله بتوع التموين العيش مرطرط عندي مش لاقي اللي يشتريه"، لم تعد البطاقة التموينية هي السبب ولا تأخر إصدارها من مكاتب التموين هو السبب كذلك، ولكنه سبب آخر لم يكن يتوقعه الرجل السبعيني على الرغم من طول فترة عمله داخل فرن العيش: "الناس اللي كانت بتموِّت بعضها في طابور العيش استغنت عنه دلوقتي عشان خاطر الزيت والسكر". "مواعيد عمل الفرن تبدأ من السادسة صباحًا حتى الثالثة عصرًا"، لافتة غمرتها الأتربة بعد طول تعليقها على الحائط المجاور للمخبز، لم يعد يلتفت إليها أحد الآن، فالفرن تمتد ساعات العمل به إلى الساعة السادسة مساءً يوميًا، ويقول الحاج سالم: "زمان كنا بنخلص الحصة بتاعتنا من الساعة 2، والبيع ما يبطلش لكن دلوقتي العيش بيفضل في مكانه وبنضطر نفضل شغالين عشان ما يبوظش ونخسر فلوسنا"، تراجع بيع الخبز لصالح إقبال المواطن على مزيد من الدعم على السلع التموينية يعتبره الحاج سالم "خسارة ودقت على راسه" بحسب وصفه، مضيفًا: "الناس بقت بتشتري العيش بالسعر السياحي 3 أرغفة بجنيه عشان توفر فلوس العيش للتموين، طب وإحنا نجيب منين للعمالة والسولار وتكلفة الرغيف اللي واقفة علينا بالغالي". "الوزراة حلت مشكلة المواطن مع رغيف العيش، وصاحب الفرن دلوقتي بقي تاجر حر لازم يبقى كريتيف ويبتكر حلول لمشكلته" يتحدث محمد دياب، المتحدث الرسمي لوزارة التموين، مؤكدًا أن منظومة الخبز وفَّرت ما قيمته 11 مليار جنيه قيمة العيش "المهدر" لصالح المواطن "الفلوس دي مادخلتش موازنة الدولة لكن راحت للمواطن تاني في صورة نقط التموين والناس الغلابة أولى بالعيش اللي كان بيروح للفراخ والزبالة"، دياب يؤكد أن من خلال جولاته الميدانية في بيع الخبز أن أصحاب الأفران بدأوا يجدون حلولًا غير تقليدية لبيع المزيد من إنتاجهم بعد تقليل احتياجات المواطنين "فيه ناس بتعلق يفط بالعيش، وناس بتوصَّل العيش ديليفري، وناس بتحط بونص مجاني للي هياخد أكتر من عشر أرغفة.. لازم التجار يبتكروا عشان الكل يستفيد".