فى بداية الألفية الثالثة كان علىَّ البحث عن دكتور سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، المتهم من قبَل النيابة بالتجسس لصالح الولاياتالمتحدةالأمريكية. وقتها لم أنف عن الرجل تهمة ولم أتيقن منها. فالمتاح من المعلومات وبيانات التحقيق لا يمنحك تلك النعمة. ولكننى ومنذ العام 2003 أدركت أن الرجل يقول ما لا يفعل عبر ما توافر من معلومات وتقارير ومكالمة لى مع مركزه، كنت أسعى من ورائها للتسجيل معه، وحينما حولونى على مكتبه رفع الخط وظل يتحدث مع محيطين به عن لقاء جمعه بعمرو خالد وأنه يفكر فى الاستعانة به والعمل معه لأنه ولد -على حد تعبيره- يمكن التعاون معه، دون أن يدرى أن غريباً على الخط الآخر! وبالتالى لم تفاجئنى سلاطة لسان الرجل فى حق رئيس دولتنا، ولم أصدق أنه وقع فى فخ الجزيرة. فقد كان الأولى به -إن كان صادقاً- رفض الحوار معهم من البداية وهو العليم بما يفعلونه ببلاده منذ سنوات. لكن لم يكن هذا ما استوقفنى فى تلك الواقعة التى زادت من رفع القناع عن وجه هذا ال«شايلوك»، تاجر الأوطان الذى عمل كسمسار للإخوان، ثم تبعهم بالسلفيين، ولو وجد غيرهم لصالح مُموليه فى البيت الأبيض لفعل تحت أى مسمى. ما استوقفنى يا سادة هو هذا الفصام الذى بتنا نعانى منه فى التعامل مع الأمور بشكل يوصلنا لحافة الهاوية، أو حافة الجنون ويفقدنا أهم ما تمتلك الأمم والشعوب والأفراد.. ألا وهى الأخلاق والحكم بمعيار واحد على المبادئ لأنها لا تتجزأ. بمعنى أن ننزعج من تطاول سعد الدين إبراهيم على الرئيس -وهو حق- ولكن لا ننزعج من تطاول أحمد موسى وتوفيق عكاشة ويوسف الحسينى وعمرو أديب وغيرهم فى تناولهم للأخبار وتقديمهم للمعلومات بألفاظ علمونا أنه لا يجوز التلفظ بها بين الناس، فما بالك بالإعلام ووسائله؟ نتعامل بمنطق إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، متناسين أن كلتا الحالتين سرقة، وأن هذا الفصام هو ما أهلك أمماً قبلنا، كما أخبرنا محمد بن عبدالله، صلوات ربى وسلامه عليه. وهو ما أخشى على بلادى منه فيصبح التطاول منهجاً، وتراجع الأدب سلوكاً وتشيع الفواحش من مبدئها.. الكلمة. علمونا أنه «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم.. ذهبوا». ولتدركوا حديثى أدعوكم لمشاهدة حلقة «الجاسوسة انشراح مرسى، بطلة قصة السقوط فى بئر سبع»، فى برنامج «النادى الدولى» التى قدمها سمير صبرى على شاشة التليفزيون المصرى فى مطلع السبعينات. ركزوا كيف كان المقدم يحاور متهمة بالتجسس لصالح إسرائيل -وهى من أبشع التهم- دون كلمة خارجة أو لفظ غير لائق. تعلموا كيف كان إعلامنا ينشر ثقافة الجمال والأخلاق بكونه قدوة لا بأحاديث يخالفها الفعل عن الوطنية. أنقذوا مصر وأبناءها بخلق إن ضاع ضعنا. فإن أردتم توعية الشعب وتبصيره فارتقوا بأخلاقياته وقفوا فى وجه من يسعى لهدمها وامنحوه الحقيقة بلا مزايدة ليكون حائط الصد للدفاع عن الوطن من أى مؤامرات خارجية أو داخلية. فهل تسمعنى يا ريس أم أن دوائر حولك باتت تحول بيننا؟