جزء كبير من عذاب الحب يكمن فى البعاد.. وأصل الحب الاحتياج، «والحاجة» تحتل جانباً أساسياً فى حياة كل إنسان. والإنسان حساس عموماً تجاه كل ما يتصل باحتياجاته. وفى الحب، المُحب يكون فى حالة اجتياح لشعور من الاحتياج للحبيب.. وكون حبيبه غير موجود؛ يمثل حالة هائلة من الألم بالنسبة له، لا يشعر بها إلا من يحب، والحاجة عند الإنسان -بمعنى عدم تلبيتها- تمثل مشكلة عموماً عند الإنسان. فإذا رجعنا إلى الطفولة المبكرة، نرى الأطفال فى حالة بكاء متشنج إذا «احتاجوا» لشىء ما ولم يتم تلبيته فوراً. وقوة الشعور بالحاجة عند الأطفال، تتعدّى كل حدود العقل والمنطق لديهم، فمهما حاول والداهم إقناعهم بجدوى هذا الشىء من عدمه، لا يَقنع الطفل ولا يهدأ قبل أن يجد ما يطلبه بين يديه. إذن حساسية فكرة «الحاجة» جذرية ومتأصلة لدى الإنسان، وهى ليست فى مجرد نوعية الحاجة، ولكنها فى غريزة الحاجة نفسها، وحتمية تلبيتها، وإلا يصاب الإنسان بما يشبه الحمى النفسية، فيهتاج ويثور ويكتئب ويتشاءم وينظر للحياة عموماً بنظره سوداوية والبِعاد يحتل جانباً كبيراً مع كل من يحب.. والبعاد قد يكون مكانياً.. وقد يكون زمنياً وقد يكون نفسياً.. إلخ. والحب مشكلة، والبِعاد مشكلة، لا حل لأى منهما إلا بالوجود الدائم لطرفى الحب معاً، وهو ما لا يتحقق إلا بالزواج! وطبعاً الزواج هدف عسير المنال «كاستحلاب الماء من الجبال» فى هذا الزمان.. ومجرد حل هذه المشكلة؛ مشكلة أخرى..!