يسود انطباع قوى بين مراكز رأى مؤثرة عدة أن تاريخاً فارقاً يكتب لمنطقة الشرق الأوسط فى هذه الأثناء. ويرى الكثير من الخبراء أن التاريخ الذى سيكتب غداً لن يكون سوى تجميع للأخبار التى نقرأها ونسمعها اليوم، بعدما تتركز فى مسارات محددة، ويتم ربطها بالسياق. فإذا كانت المقولة التى تربط بين ما تنشره الصحف من أخبار اليوم، وما سيكتب عن المنطقة من تاريخ غداً، صحيحة، فكيف سيترجم التاريخ هذه الأخبار؟ إن تصنيف تلك الأخبار فى مسارات محددة هو الخطوة الأولى نحو تطويرها إلى إشارات يمكن الاستناد إليها فى كتابة التاريخ مستقبلاً، كما أن تحليل تلك الأخبار هو الخطوة الثانية فى هذا الإطار. على أى حال، فإن نتيجة التصنيف والتحليل ربما تؤدى إلى الاستخلاصات التالية: أولاً: تنظيم «داعش» لم يتم إضعافه أو تسييج خطره حتى اللحظة الراهنة، وهو ما زال قادراً على كسب أرض جديدة كل يوم. ثانياً: إن هناك ارتباكاً كبيراً يسود المتحالفين ضد تنظيم «داعش»، وهذا الارتباك يظهر عند صناعة القرارات الداخلية لكل دولة من دول التحالف كما يظهر فى سلوكها الجمعى. ثالثاً: إن عدد المتعاطفين مع التنظيم يزداد يوماً بعد يوم، ولم يتوقف انضمام المتطوعين إليه بغرض «الجهاد»، وإن هذا التعاطف يظهر فى دول العالم المختلفة، وليس فى منطقة بعينها. رابعاً: إن «داعش» يجيد استخدام وسائط التواصل الاجتماعى فى تجنيد الأتباع، وإن عمليات التشويه التى يتعرض لها فى وسائل الإعلام التقليدية لم تحد من قدرته على كسب مناصرين جدد. خامساً: إن عدداً من التنظيمات الإسلاموية «الجهادية» سيضطر يوماً بعد يوم إلى مناصرة «داعش» أو أن يدعو إلى مناصرته. وهذه التنظيمات لن تشمل فقط «القاعدة» أو غيرها من التنظيمات التى تصنف راديكالية وشديدة التطرف، لكنه قد يشمل أيضاً تنظيمات أقل تطرفاً ممن توصف ب«الاعتدال». سادساً: إن التحالف الدولى لم ينتظم بغرض إسقاط «داعش» والقضاء عليه، لكنه انتظم بغرض تحقيق كل دولة من دوله أكبر فائدة ممكنة من وجودها به، بصرف النظر عن موقفها من «داعش» أو رغبتها فى دحره واحتواء خطره. سابعاً: الجميع يتهم الجميع بتمويل «داعش» ورعايته، والجميع يتهم الجميع بالاستفادة من وجود «داعش»، والجميع يتهم الجميع بالتواطؤ مع «داعش»، والجميع يتهم الجميع بالمتاجرة مع «داعش». ثامناً: يواصل «داعش»، بلا هوادة، إعطاء صورة بربرية همجية عن الإسلام والمسلمين، ويرتكب كل يوم فظائع جديدة، وهو أمر يجد من يتلقفه ويقدمه للعالم باعتباره دليلاً على «همجية الإسلام والمسلمين». تاسعاً: إن التحالف الذى شكلته الولاياتالمتحدة لمقاتلة «داعش» بلا «بيان مهمة» واضح، وبلا عقيدة متماسكة، كما أنه يعول فقط على استخدام القوة الصلبة فى تحقيق أغراضه، ولذلك فإن احتمالات نجاحه محدودة. عاشراً: إن «داعش» يتحول إلى فكرة أكثر جرأة من فكرة «القاعدة»، وأكثر تجسداً على الأرض، وأكثر قدرة على جذب الأتباع، وأكثر مهارة فى التعامل مع الأطراف الدولية، وأكثر نكاية بالإسلام والمسلمين. حادى عشر: استناداً إلى ما سيفعله «داعش» فى الدول الغربية ومواطنيها، وبناء على الاختراقات التى سيحققها فى مجتمعات تلك الدول، فإن تلك المجتمعات ستتخذ إجراءات حادة وقائية ودفاعية، ومعظم تلك الإجراءات سيضر بحالة الحريات فى تلك البلدان، وسيمس مستقبل المسلمين فيها تحديداً. ثانى عشر: إن «داعش» لم يكن وليد زمنه، ولكنه كان حصيلة تراكم عقود من فساد الدول العربية، وخطلها، وعجزها، وخوائها، وفشلها فى تلبية استحقاقات العصر. ثالث عشر: إن «داعش» سيبقى طويلاً كفكرة، ومنهج عمل، طالما أن مجتمعات تلك المنطقة ما زالت غير قادرة على تطوير التصور الدينى الذى يحكمها.