تأمل ثم تردد ثم انتصر الضمير.. هذا باختصار موجز معركة داخلية عشتها وأنا أفكر فى كتابة هذا المقال.. تخيل للحظة لو كانت الآية معكوسة وأننا أقلية مسلمة نعيش وسط أغلبية مسيحية.. تولد فى بلدك وأنت منتهى الطموح لأنك ستكون محروما من الوصول لهذا المنصب أو ذاك لأنك مسلم.. وأن المناصب محددة ولا ينالها إلا عائلات مسلمة قريبة من السلطة وتتوارثها فيما بينها.. ولا يمكنك بناء مسجد إلا بطابور من الإجراءات.. تجلس بين الناس فيتهامسون فيما بينهم هذا مسلم، وتصرخ من داخلك فى صمت: «أيوه مسلم، مستغربين ليه؟!».. ويخرج بعض المتشددين من بنى وطنك ليحرم مصافحتك أو المعايدة عليك فى عيدك لأنك لست من دينه. ثم تقوم ثورة وتطالبك مرجعيتك الدينية بعدم النزول إليها وتخالفها وتنزل إلى الميدان وتقول: «كلنا مصريين إيد واحدة».. ويسقط منك شهداء ويسقط معهم النظام، وتتصور للحظات أن شمسا جديدة تشرق بالعدل بين الناس، وتحاول الخروج من عزلتك السياسية ومن جدران الأزهر، التى كانت ملاذك لعقود، إلى براح الوطن.. فتجد متاريس تأخذك من مربع المشاركة إلى نقطة الوجود فى حد ذاتها.. وترحل مرجعيتك الدينية فى لحظة تفاوض فارقة على دستور وطنك.. ويصل بك الحال عندما تؤيد مرشحا ما أن يكون ذلك أمرا كافيا للتشهير به وورقة فى يد منافسيه وكأن تأييد المسلمين له أمر مشين؟ وبعد ذلك تصل جماعة من اليمين المسيحى المحافظ إلى سدة الحكم، وبدلا من طمأنتك تجد رأس الدولة لا يخاطبك إلا من داخل الكاتدرائية.. تلتفت من حولك فتشعر بوحشة الغربة داخل الوطن وأنت تستمع لأزمات طائفية مختلفة.. يداهمك ابنك بأسئلة عن مبررات البقاء فى مصر ولماذا لا نسافر مثلما فعلت أسرة أحد أصدقائه فى المدرسة، فتجيبه بمرار أن مصر هى وطننا ولا نعرف وطنا غيره، وتحاول أن تخلق له الأمل بأن القادم أفضل. أعتقد أن هذا القدر يكفى وأعتذر عن إبحار خيالك فيما قد يمثل لك إزعاجا عندما تفكر فيه، ولكن ما أبتغيه هو أن تبدأ بنفسك، ودعنا ننشر العدل فيما بيننا فالدين معاملة، قم أنت بالالتفات لأهلنا من المسيحيين واحتضنهم وبث فى قلوبهم الطمأنينة إلى أن تنتبه الدولة وتخرج من أزماتها المتلاحقة وتستعيد عنفوانها. وإذا أردت أن أخاطبك بحديث السياسة فسأقول لك إن مصر تواجه خطرا حقيقيا قد يغير ملامحها إذا استمرت حالة التشنج التى يعانى منها النسيج الوطنى، وهى مادة خصبة لكل من يريد أن يلحق أبلغ أذى بهذه الأرض الطيبة وأهلها. وإذا كنت تفضل حديث الدين فلنا فى رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وخلقه العظيم أسوة حسنة.. فصلوات الله عليه وسلامه قال: «من آذى ذميا فأنا خصمه»، ومن موروثنا الإسلامى الذى نعتز به قصة القبطى مع عمرو بن العاص؛ حيث ضرب ابن عمرو ابنَ القبطى بالسوط وقال له: «أنا ابن الأكرمين»! فما كان من القبطى إلا أن ذهب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى المدينة وشكا له، فاستدعى عمرو بن العاص وابنه، وأعطى السوط لابن القبطى وقال له: «اضرب ابن الأكرمين»، فلما انتهى من ضربه التفت إليه عمر وقال له: «أدرها على صلعة عمرو، فإنما ضربك بسلطانه»، فقال القبطى: «إنما ضربتُ مَن ضربنى». ثم التفت عمر إلى عمرو وقال كلمته الشهيرة: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!».