المرضى سواسية داخل العناية المركزة، فالآلام لا تعترف بالسن، والحروق لا تفرق بين جسد صبى وعجوز، عمرو مصطفى لم يتجاوز العامين، تكاد عيناك تتحجران عندما تبصره، تحمله أمه هبة قاسم ودموعها تنهمر حزناً على رضيعها، يقتلها الإحساس بالذنب فبعد أن انشغلت عنه دقائق بأعمال المنزل، عادت لتجد إناء الماء المغلى قد سقط فوق جسده الصغير، لم ينج سوى ذراعه اليمنى. حروق من الدرجة الأولى بنسبة 35% كانت كفيلة بتشويه ملامح الرضيع، الذى حملته أمه مهرولة إلى أقرب مركز طبى لإنقاذه. أمام غرفة العناية المركزة بمستشفى الحروق والأورام بالعبور، تحمل الأم رضيعها المحروق قائلة «أول ماشفت منظر عمرو بيصرخ من ألم الحرق أخدته وجريت بيه على المستشفى لفيت بيه من قصر العينى للقصر الفرنساوى ومستشفى الموظفين بإمبابة ومفيش فايدة، حالته زى ما هى، كنت بصرف عليه فى الغيار الواحد أكتر من 1000 جنيه وأحياناً كان بيحتاج أكتر من غيار فى اليوم وإحنا ناس غلابة على باب الله بس كل ده يهون على أمل أن ابنى يخف». تواصل السيدة الثلاثينية فى نبرة يملأها الحزن والندم «هموت لو ابنى حصله حاجة ومش هسامح نفسى أبداً، جايباه على 3 بنات وبحلم باليوم اللى يكبر فيه ويكون سند ليا لما أكبر وأمان لإخواته، من أول ما دخل العناية بادعى ربنا وأقول يا ريتنى كنت أنا اللى مكانه لأنه على طول بيبكى ويصرخ، الدكتور سمح لى أخرج بيه فى الهواء شويه عشان حالته النفسية». على بعد خطوات من «عمرو»، ترقد عواطف محمد 60 عاماً، بعد أن أصيبت بحرق نتيجة انفجار أنبوبة بوتاجاز «بومبة» وصلت نسبته لنحو 20% وهو ما يصعب على عجوز فى مثل سنها تحمله، تقطع أناتها باستغاثات متتالية للفريق الطبى الخاص بالرعاية قائلة «نار. نار يا ولدى تحرق فى جوفى». خطورة حالة السيدة الستينية تكمن، حسبما أكده الدكتور ماجد غزال طبيبها المعالج، فى كبر سنها، يقول: «تزداد الخطورة على مصاب الحروق بكبر السن الذى يصاحبه فى الغالب ضعف الجهاز المناعى والعدوى الفطرية، فضلاً عن الألم النفسى الذى يسببه الحرق وخصوصاً للسيدات، فخطورة الحروق ليست فى المظهر الخارجى فحسب، لكنها تؤثر على كل أعضاء الجسم، كما قد تؤدى إلى تسمم الدم والتهاب رئوى وفشل كلوى والتهاب النسيج الخلوى، كما تؤثر الحروق على المناعة فيصبح الجسم غير قادر على مقاومة الميكروبات والأمراض، كما تؤدى إلى الإجهاض فى حالات الحمل». يضيف «غزال»: «كما تزداد خطورة الحرق فى حالة حدوث حرق رئوى، كما فى حالة الشاب العشرينى أحمد إبراهيم الذى وضع على جهاز تنفس صناعى داخل غرفة منفصلة بالعناية المركزة، نقل أحمد إلى المستشفى بصحبة أخيه إثر إصابتهما بحروق من الدرجة الأولى وصلت نسبتها إلى 75% بالنسبة لأحمد بينما وصلت نسبة حروق أخيه 95% لكنه سرعان ما لقى مصرعه تاركاً أخاه يصارع الموت بعد أن شوت النيران لحمه إثر انفجار أنبوبة غاز فى المحل الخاص بهما». لا يحتاج «أحمد» لرؤية لحمه بعد أن سقط جلده، كى تسوء حالته النفسية، الأمر الذى دعا الفريق الطبى المعالج له لإخفاء خبر وفاة شقيقه عنه خوفاً من تعرضه لانهيار نفسى قد يكتب نهايته. لم تختلف حالة «أحمد» كثيراً عن حالة «إيمان» السيدة الأربعينية التى سقطت هى الأخرى ضحية انفجار أنبوبة بوتاجاز، زادت خطورتها بعد تعرضها للإهمال والاستجابة لفتاوى جيرانها دون اللجوء إلى مركز متخصص فى علاج الحروق فى بادئ الأمر، ما أدى إلى تدهور حالتها الصحية والنفسية وأفقدها القدرة على التواصل مع المحيطين بها بشكل جيد حتى أنها باتت ترى حقيقة الأشياء حولها بصعوبة بالغة. «إيمان» أضحت نزيلة بمستشفى الحروق وأقصى أمنياتها العودة إلى منزلها، غير عابئة بما سيخلفه الحادث من آثار للحرق أصبحت جزءاً من تكوينها. حالة «عمرو» لم تكن الوحيدة، حسبما أكد الدكتور حسن عبدالفتاح مدير مستشفى الأورام والحروق بالجمعية الشرعية الرئيسية بأحمد عرابى، الذى يؤكد أن كثيراً من حالات حروق الأطفال تحت سن الخمس سنوات، يكون سببها فى الغالب إهمال الأسرة فى متابعة أطفالها، قائلاً «منذ فترة ليست بقليلة تعرضنا لإحدى الحالات التى لا تنسى وكانت لطفل فى عمر يومين مصاب بحرق كامل فى الوجه وتآكل تام بالأذن بسبب غفلة الأم عنه، فبعد انقطاع التيار الكهربى أشعلت الأم شمعة وتركتها إلى جوار الطفل ولم تنتبه لسقوطها على وجه صغيرها، وظنت أن صرخات الصغير خوفاً من الظلام، وعندما أفاقت لما حدث كانت النيران قد التهمت وجه الصغير».