العبقري في بلدنا، وكما يرسمه مخرجو السينما والكارتون، شخص نحيل الجسد هزيل البنية، صاحب شعر كثيف يغطي فروة رأسه، لحيته غير مهذبة، ويرتدي نظارة طبية، عدساتها مقعرة، لا يعترف بالأناقة، فطوال الوقت مُلقى على وجهه في معمله وسط أنابيب الاختبار، والانفجارت التي تهز المعمل مع كل تركيبة جديدة، ودائمًا ما نراه يتحدث بسرعة، وبمصطلحات أجنبية معقدة، ولا يفهمه من حوله، لكي يقال عليه "عبقري- جينيس- حاد الذكاء- فذ"، ولكن العبقري في بلادهم شيء آخر. ففي وقت تبحث في بلدك، عبر "جوجل"، لتحدد موقع عملك، أو طريق الذهاب والعودة لمنزلك، أو عنوان منزل صديقك بين الشوارع والميادين والحارات، أو تضبط جهاز ال"GPS" في سيارتك أو على محمولك، ليوجهك نحو المكان الصحيح، وسط فرحة كبيرة لما وصلت إليه التكنولوجيا من تقدم، وبهجة وسط أصدقائك وأنت تتباهى بأن هاتفك به تقنية تحديد المواقع، لم تفكر بأن هناك من في بلادهم ظل لسنوات طويلة يبحث ليس لتصل لتلك التقنية الحديثة فقط، وإنما ليكتشف ال"GPS" لدماغك ودماغي ودماغ العالم بأثره. نرويجي ونرويجية وثالثهما بريطاني، أشخاص طبيعيون، مثلي ومثلك، لا يحملون غبار المختبر فوق أكتافهم، ولا يبرز من تحت أجسادهم عظم هيكلهم، ولا تجدهم من أصحاب الشعر الغجري المنكوش، إلا أن عقولهم هي من تسافر إلى كل الدنيا، فعلماء "نوبل"، الحاصلون على جائزتها في الطب، كما تقول عن ابتكارهم لجنة الجائزة: "الاكتشافات... حلت مشكلة شغلت الفلاسفة والعلماء لقرون، وهي كيف يرسم المخ خريطة للفضاء المحيط بنا، وكيف نشق طريقنا عبر بيئة مركبة؟". كل ما يخص "العباقرة" في أدب سينما الأطفال في بلدنا، هو سخرية، وتهميش، وتلويث لعقول ذكية، نجا منهم من نجا كركاب سفينة "نوح"، وهلك الباقون في طوفان، سببه عقول خربة، ونفوس مريضة، وبيئة "اجعل دماغك ذاكرة للحفظ"، في حين أنهم في بلادهم جعلوا الجماد متمثلًا في "ذاكرة حاسوب، قرص صلب، إسطوانة مدمجة"، أو حتى "فلاش مويموري"، هو وسيلة الحفظ الوحيدة، لما ينتجونه من أفكار، فأصبح العباقرة في بلادهم منتجين، وفي بلادنا "بيحاسبوا على المشاريب".